فيما يشهد العالم حالياً تصعيداً في المنافسة الجيوسياسية على المعادن الأرضية النادرة (Rare Earths)، التي تعتبر أساسية للصناعات التقنية، الطاقة المتجددة، والدفاع. هذه العناصر، مثل النيوديميوم والديسبرسيوم، تستخدم في السيارات الكهربائية، التوربينات الريحية، والأجهزة الإلكترونية. وتسيطر الصين على نحو 80-90 % من الإنتاج العالمي، ما يجعلها سلاحاً إستراتيجياً في التوترات التجارية.
وفي ظلّ التوترات الجيوسياسية المتزايدة، تتسارع وتيرة سعي الولايات المتحدة لتعزيز أمن سلاسل إمدادها من المعادن النادرة في خطوة تهدف إلى تقليص الاعتماد على القوى الخارجية، لا سيما الصين.
منافسة خليجية
وتشير تقارير ودراسات حديثة إلى دخول دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، في المنافسة على سوق المعادن الحرجة أو العناصر الأرضية النادرة (rare earth elements)، كجزء من جهود التنويع الاقتصادي واستغلال الطلب العالمي على هذه الموارد في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
هذه الدول تستثمر في التنقيب، الاستحواذ على الأصول العالمية، والشراكات الدولية لتقليل الاعتماد على الصين، التي تسيطر على معظم الإنتاج العالمي.
أما بالنسبة للمعادن الثمينة (مثل الذهب، الفضة، البلاتين)، فالتقارير تركز أكثر على تطوير السوق المحلي وتعزيز التنافسية من خلال السياسات الضريبية والاستثمارية، لكن ليس بالدرجة نفسها من الدخول العالمي المنافس كما في المعادن الحرجة.
وذكر تقرير صدر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية «iiss» بعنوان: «The geopolitics of the Gulf states push for critical minerals» أن هناك زيادة في الطلب على الليثيوم، النحاس، والعناصر الأرضية النادرة، ما يفتح جبهة جديدة في المنافسة الجيواقتصادية.
وفي مايو 2025، وقّعت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقية تعاون في المعادن الحرجة لاستكشاف مشاريع مشتركة وفرص استثمارية، مع تركيز على تطوير القدرات في التنقيب والمعالجة. كما يبرز التقرير دور الإمارات كمركز لوجستي ومالي في سلسلة التوريد العالمية.
عصب الاقتصاد
وتُعدّ المعادن الأرضية النادرة عصب الاقتصاد الحديث والأمن القومي، وهي ليست نادرة بالمعنى التقليدي لوفرتها في القشرة الأرضية، بل تكمن «ندرتها» في صعوبة استخلاصها وتنقيتها بفاعلية اقتصادية وبيئية. ومع ذلك، فإن خصائصها المغناطيسية، التحفيزية، والبصرية الفريدة تجعلها لا غنى عنها في كل شيء من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى توربينات الرياح والسيارات الكهربائية، مروراً بأنظمة الأسلحة المتطورة وتقنيات التصوير الطبي.
وتتكون المعادن الأرضية النادرة (Rare Earth Elements - REEs) من 17 عنصراً أساسياً، تشمل كلاً من السكانديوم والإيتريوم، إضافة إلى عناصر اللانثانيدات الخمسة عشر وهي: اللانثانوم، السيريوم، البراسيوديميوم، النيوديميوم، البروميثيوم، السماريوم، اليوروبيوم، الغادولينيوم، التربيوم، الديسبروسيوم، الهولميوم، الإربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم، واللوتيتيوم.
وأخيراً، كشفت تقارير عن تحركات مكثفة داخل البيت الأبيض تستهدف إحياء الصناعات التعدينية الأميركية من خلال إستراتيجيات جريئة، مستلهمة من نهج «عصر الجائحة»، لضمان استمرارية الإمدادات وتقليل المخاطر.
هيمنة الصين
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر مطلعة قولها إن كبار مسؤولي البيت الأبيض أبلغوا مجموعة من شركات المعادن النادرة الأسبوع الماضي أنهم ينتهجون إستراتيجية تشبه نهج عصر الجائحة لتعزيز إنتاج المعادن الأساسية في الولايات المتحدة والحد من هيمنة الصين على السوق من خلال ضمان حدّ أدنى لسعر منتجاتهم. وبحسب الوكالة، ترأس الاجتماع الذي لم يُعلن عنه سابقاً في 24 يوليو بيتر نافارو، المستشار التجاري للرئيس دونالد ترامب، وديفيد كوبلي، المسؤول في مجلس الأمن القومي المكلف بإستراتيجية سلسلة التوريد.
وقالت المصادر إن الاجتماع ضم 10 شركات للمعادن النادرة بالإضافة إلى عمالقة التكنولوجيا آبل، ومايكروسوفت، وكورنينغ والتي تعتمد جميعها على إمدادات ثابتة من المعادن الأساسية لصنع الإلكترونيات.
ووفقاً للمصادر، صرّح نافارو وكوبلي في الاجتماع بأن السعر الأساسي للمعادن النادرة الذي حُدّد لشركة إم بي ماتيريالز في وقت سابق من هذا الشهر، وهو جزء من استثمار بمليارات الدولارات من البنتاغون، «ليس لمرة واحدة»، وأشارا إلى أن المزيد من هذه الصفقات المماثلة قيد التخطيط الآن.
وتقول «رويترز» إنه لطالما طالبت شركات المعادن الأساسية الأميركية بدعم حكومي لأسعار منتجاتها، وذلك بسبب سيطرة الصين على السوق، والتي تجعل الاستثمار في مشاريع التعدين الأميركية محفوفاً بالمخاطر.
أداة صراع جيوسياسي
وفيما يعكس كيف أصبحت العناصر الأرضية النادرة أداة في الصراع الجيوسياسي، فرضت الصين في أبريل 2025، قيوداً جديدة على تصدير سبعة عناصر أرضية نادرة ومغناطيساتها، كرد فعل على التعريفات الأميركية الجديدة. وأدى هذا الإجراء الذي يعتبر جزءاً من إستراتيجية بكين للسيطرة على الإمدادات، إلى ارتفاع الأسعار العالمية وزيادة القلق في الغرب.
وأعلنت الصين حصص إنتاج 2025 أكثر سرية وتشدداً، ما يعزّز سيطرتها على السوق وسط التوترات التجارية. وتشير تقارير إلى أن الصين فرضت قيوداً على 16 معدناً حيوياً على الأقل بحلول مايو 2025، بما في ذلك الغاليوم.
وفي يوليو الماضي، أجرت الولايات المتحدة مفاوضات تجارية مع الصين حول هذه العناصر، محاولة تقليل الاعتماد عليها في البطاريات والألياف البصرية.
من جانبها، تركز إدارة الرئيس دونالد ترامب، على تأمين مصادر بديلة، بما في ذلك سماع اقتراحات للوصول إلى احتياطيات ميانمار الغنية بالعناصر الأرضية النادرة، لتحويلها عن الصين. وأصبحت منطقة كاتشين في ميانمار مركزاً للمنافسة الصينية - الأميركية.
وفي مارس الماضي، أطلقت الولايات المتحدة قانون الإنتاج الدفاعي الوطني لتعزيز التعدين والتكرير المحلي. كما تبحث واشنطن في شراكات مع أوكرانيا، غرينلاند، وكندا لتقليل الاعتماد على الصين.
ويُشير محللون إلى أن الولايات المتحدة تدخل السباق متأخرة، لكنها تركز على تقليل المخاطر في العناصر الأرضية النادرة، الرقائق، والأدوية.
عبء التنظيف
ويشير العديد من التقارير إلى أن التعدين يسبب أضراراً بيئية كبيرة، وأن الصين تتحمل عبء التنظيف رغم الاتهامات الغربية، ورغم تكرار الاتهامات بـ«سوء» الصين، لكن البيانات تظهر أن العناصر ليست نادرة، بل الرغبة في التعدين المسؤول هي النادرة. وفي ميانمار، يثير الصراع مخاوف أخلاقية بسبب النزاعات المسلحة والاستغلال.
الطاقة المتجدّدة سترفع طلب العناصر النادرة
ذكر تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، أنه بالنسبة للتوقعات المستقبلية، سيزداد الطلب على العناصر الأرضية النادرة مع نمو الطاقة المتجددة.
وأضاف أن نمو الإنتاج قد يؤدي إلى تعزيز المنافسة، مع مخاطر من التوترات التجارية والاعتماد على الصين، ما سيؤثر على ارتفاع الأسعار وتسريع الاستثمارات في التنويع، خصوصاً في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.