غيانا، الوادعة ذات الطبيعة الخضراء، النظيفة بيئياً، الفقيرة...! ولكنها اليوم على أعتاب أن تصبح ثرية، بل ثرية جداً... ويكمن السبب في «ابحث عن النفط» ويتصارع قانونياً على كسب «باطنها» عملاقان نفطيان!

غيانا الدولة الصغيرة في أميركا الجنوبية (الكاريبي - وليست جزيرة) لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، ولم تكن يوماً دولة نفطية، لكنها اليوم مرشحة وبقوة لدخول نادي الدول المصدّرة للنفط، بعد اكتشاف حقل نفطي ضخم على أراضيها، الأمر الذي جذب اهتمام كبريات شركات النفط في العالم، وعلى رأسها شركتا إكسون موبيل وشيفرون الأميركيتان.

تدور حالياً معركة قانونية شرسة بين الشركتين في محاكم لندن، حول ملكية 30 % من هذا الحقل النفطي، الذي يُقدّر احتياطيه المؤكد بأكثر من تريليون دولار. هذه الحصة كانت مملوكة لشركة عائلة «هيس» الأميركية، والتي باعتها في سبتمبر 2023، إلى شركة شيفرون، مقابل 53 مليار دولار. لكن شركة إكسون موبيل، تعترض على الصفقة، معتبرة أن لها حق الأولوية في شراء هذه الحصة بحكم شراكتها في المشروع وامتلاكها لحوالي 45 % من الحقل.

إكسون موبيل، تطالب بإلغاء الصفقة بدعوى أن «هيس» لم تَعرض عليها الحصة أولاً، وهو ما ترى فيه انتهاكاً لاتفاق الشراكة. هذا النزاع قد يُشكّل سابقة قانونية، إذ من المتوقع أن تؤثر قرارات المحكمة على النزاعات المستقبلية بين شركات النفط العالمية بشأن حقوق الشراء والملكية.

غيانا، التي كانت مستعمرة هولندية وبريطانية على مدى 200 عام، واستقلت عن بريطانيا عام 1966، واصبحت جمهورية عام 1970، تعرف رسمياً بـ «جمهورية غيانا التعاونية» أصبحت من الأصول الثمينة عالمياً، حيث يحتوي الحقل النفطي فيها على أكثر من 11 مليار برميل من النفط الخام، مع احتمال وجود كميات إضافية تُكتشف لاحقاً مع استمرار الحفر. وتُقدّر أرباح إكسون موبيل، المتوقعة من الحقل خلال الـ15 سنة المقبلة بأكثر من 180 مليار دولار في حال كسبت القضية المنظورة في لندن، بينما من المنتظر أن تجني حكومة غيانا، أكثر من 190 مليار دولار، ما قد يُحوّلها من واحدة من أفقر دول أميركا الجنوبية إلى دولة غنية مزدهرة... وعلى حساب البيئة النظيفة فيها!

يُشار إلى أن تكلفة إنتاج البرميل الواحد في هذا الحقل تقل عن 30 دولاراً، مما يجعله من أكثر الحقول ربحية على مستوى العالم.

لكن رغم الآمال الاقتصادية، تُثار تساؤلات حول مدى قدرة غيانا، على الحفاظ على بيئتها النظيفة، وفرضها لشروط صارمة تضمن عدم تلويث بيئتها الطبيعية. وما العقوبات الممكنة في حال خُرقت هذه الشروط البيئية؟

الصراع إذاً ليس فقط حول النفط والأرباح، بل أيضاً حول النفوذ والمكانة في سوق الطاقة العالمي. شيفرون، بحاجة ماسّة لهذه الاحتياطيات للبقاء في منافسة مباشرة مع عملاق الصناعة إكسون موبيل. وفوز أيّ من الشركتين سيُعزّز من موقعها في الأسواق المالية، ويرفع من قيمة أسهمها، ويمنحها مزيداً من السيطرة على أحد أهم الاكتشافات النفطية في العالم اليوم.

فهل سيكون النصر لمن يملك حق الأولوية؟ أم أن صفقات المال الكبرى ستحسم النتيجة؟ لنتابع ونرى...

كاتب ومحلل نفطي

naftikuwaiti@yahoo.com