«جاب العيد» مثل شعبي سارت به الركبان بمعنى أن شخصاً خرّب الدنيا بقوله أو بفعله، مثلما يقولون (بط الجربه) أي كسر القارورة وأخرج ما فيها فكشف كل الأسرار والمعنى الحرفي للمثل (جاب العيد). يقال إن بلداً من البلاد قالوا إن شهر رمضان هذه السنة ناقص ولن نكمل العدّة فافطروا وتبين بعد ذلك أن الشهر كامل فقالوا جبنا العيد - أي - قبل أوانه.
والعيد عيدان، يتكرّران علينا كل عام -عيد الفطر وعيد الأضحى- ولكن أي الأعياد الذي لم يأتِ بعد؟
العيد الذي نأمل أن نراه في مستقبل الأمة هو العيد الذي تبرز فيه مكونات المجتمع المسلم متميزة بطابعها الشعبي مفصولة عما هو أجنبي ودخيل، لابسة من عمل يديها، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها وكينونتها وصناعاتها... ظاهرة بقوتين في ايمانها وخصوصيتها، مبتهجة بفرحتين في مساكنها وأسواقها، فكأن هذا العيد يوم فرح للشعب كله بخصائصه...
ولكن العيد الذي لم يأت بعد... عيد شعار هذه الأمة بأن فيها قوة التغيير في مجرى الأيام مثلما هو حاصل في الكويت اليوم – بفضل الله – لا شعار بأن الأيام تتغير؟ وليس العيد للأمة إلا يوماً تعرض فيه جمال نسيجها الاجتماعي الرصين، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الصغار والكبار والكلمة الواحدة على لسان الجميع وهي كلمة (الوطن) وهو يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام لا القدرة على تغيير موديلات الثياب... والماكياج!
والعيد الذي لم يأت بعد العيد الذي تتسع فيه روح الجوار وتمتد حتى ترجع الكويت البلد العظيم وكأنه لأهله داراً واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي وتظهر فضيلة الإخلاص وصدق الكلمة مستعلنة للجميع ويتهادى الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المتحابة زمن الطيبين (داخل السور)، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الكويت كلها...
فما أشدّ حاجتنا اليوم الى أن نفهم أعيادنا فهماً جديداً نتلقاها به وهي عيد الفكرة العابدة لله الشاكرة لأنعمه... وليس عيد الفكرة العابثة بالوطنية... هذه المعاني السامية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثاً زمنياً في الإسلام يتجدد كل عام ليستخرج أهل كل زمان من معاني زمانهم وقيمه ليضيفوا إلى المثال السابق أمثلة مما يبدعه نشاط الصالحين المصلحين في هذا البلد المعطاء ويحقق مطالبها وتقتضيه مصالحها.
وهذه المعاني السامية نفسها نجدها في يوم الاستقلال وذكرى التحرير من الغزو العراقي، فالأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، حقق الاستقلال للكويت شكلاً ومضموناً، وحررها اليوم صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، فأرجعها بيد الأحرار وأدى الأمانة.