حروف نيرة

منتصف العمر... أزمة أم اتزان؟

تصغير
تكبير

الحياة سلسلة من المراحل، لكل منها لون مختلف، نولد ببراءة الطفولة، ونندفع بحماسة الشباب، ونصل إلى مرحلة منتصف العمر التي تمتد عادة بين الأربعين والستين. وهي مرحلة طبيعية في حياة كل إنسان، تمثل فترة النضج المتوازن، حيث يجمع الإنسان بين خبرته المتراكمة واحتفاظه بقدر جيد من الطاقة لاستثمارها في حياته الشخصية والمهنية.

في هذه المرحلة يبدأ كثيرون بمراجعة حياتهم وتقييم إنجازاتهم، والتفكير في معنى ما أنجزوه وما تبقى من العمر، فهي فرصة إيجابية للنمو الذهني والاستقرار النفسي، ومن الناس من يعيش فيها متوتراً ويقع في أزمة نفسية.

مثال النضج الإيجابي من يشعر بالتغيرات التي تصاحب منتصف العمر، ويتعامل معها بوعي؛ وأنها مرحلة من الاتزان والنمو بدلاً من الانغماس في القلق، وهذا هو الأصل.

لكن بعض الأشخاص لا يمرون بهذه الفترة بسلاسة، بل يدخلون فيما يعرف بأزمة منتصف العمر، وهي شعور بالقلق أو فقدان معنى الحياة، قد يظهر في رغبة مفاجئة في التغيير، أو ندم على سنوات مضت بلا إنجازات، أو خوف من المستقبل.

ومن أبرز السلوكيات المرتبطة بهذه الفئة -رجالا كانوا أو نساء- يعيشون شباباً جديداً يسعون للشعور بالحيوية من خلال تكوين صداقات مع شباب أو شابات من سن أولادهم، تقليد المراهقين في اختيار ملابسهم، والحديث بأسلوب شبابي مبالغ فيه، ويقضون وقتاً طويلًا مع أصدقاء أولادهم، متجاهلين مسؤولياتهم؛ غالباً ما تكون هذه التصرفات محاولة لتعويض شعور بالنقص، لكنها تؤدي إلى توتر داخلي وخارجي.

حاول أن تتعامل مع من يمر بهذه الأزمة بذكاء وهدوء، مع الحفاظ على اللباقة والاحترام، بعيداً عن المواجهة أو القسوة، فالكلمة الحكيمة قد تساعده على اكتشاف قيمته الحقيقية دون أن يشعر بالإحراج، واعلم أنها لا تعتبر حالة مرضية، وإنما هي مرحلة طبيعية تحتاج إلى وعي وتفهم وصبر، عبر الإصغاء له، تذكيره بإنجازاته، وتشجيعه على توجيه طاقته نحو أنشطة مفيدة، ومن المهم وضع حدود واضحة لحماية ذاتك وتجنب المواقف المتوترة.

الأهم أن يوجَّه تفكيره نحو المستقبل بمرونة؛ فالحياة لا تنتهي عند هذه المرحلة، بل يمكن أن تكون هذه المرحلة بداية جديدة بأهداف واقعية وخطوات صغيرة تعيد له ثقته بنفسه. كما أن وجود صحبة إيجابية يخفف الكثير من حدة الأزمة.

منتصف العمر ليس نهاية الطريق، بل فرصة للنمو والاتزان، حسب الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع ذاته ومع محيطه.

فالحياة كلها رحلة تتكشف مع كل مرحلة؛ الطفولة، وفترة الشباب، إلى لحظات التأمل في منتصف العمر، وهي مرحلة النضج المتوازن والخبرة، ويليها مرحلة الكهولة؛ وهي وقفة مع النفس يراجع فيها الإنسان ما فات من حياته وتقييم إنجازاته.

وأخيراً تأتي الشيخوخة، التي تبدأ غالباً من سن الخامسة والسبعين فصاعداً، وهي مرحلة الحكمة والخبرة الغنية، حيث يزداد التركيز على الاستفادة من التجربة الطويلة في الحياة.

كل مرحلة تمنحنا دروساً تساعدنا على فهم أنفسنا وفهم الآخرين بعمق أكبر، وعند النظر إلى العمر كوحدة واحدة ندرك أن الحياة رحلة مليئة بالمعنى والحكمة، ومع كل مرحلة تظل نظرتنا إلى الحياة أنها ممر، لا تخلو خطواتك فيها من شقاء وراحة، والأهم فيها هو الرضا والقناعة.

aaalsenan @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي