المثالية اتجاه فلسفي يرجع فيه كل شيء إلى الفكر بالمعنى الأشمل لهذه الكلمة. وغالبية الناس تسوق كلمة مثالي في مساقين: مساق مدح، ومساق ذم، في المدح كالقول هذا حلّ مثالي إذا وصلنا إليه، أما في الذم، نقول: كلام مثالي، وطرح مثالي، وحل خيالي...، أي ليس له صلة بالواقع، أي في التلميح إلى فكرة محلّقة في التنظير وبعيدة عن الواقع وإكراهاته، وهنا في هذا المساق نتحدث عن العقل المثالي.

إنّ المذهب المثالي يذهب إلى أن الواقع الحقيقي هو واقع روحي عقلي، وما نراه في الواقع الطبيعي المحسوس والملموس، ما هو إلا ظلال للوجود العقلي والروحي، وفق المذهب المثالي فالموجود فعلاً، هو ما يدركه العقل، وهو ما يقترب من عالم المُثل.

يقوم الفكر المثالي على أساس عمل ما يجب عمله، وما يجب عمله هو ما يستطيع الخيال بلوغه والوصول إليه، ولا يهتم صاحب العقل المثالي بالتفكير في مدى إمكانية ما يطمح إليه، فهو يتجاهل كل الأسئلة التي تتحدث عن الصعوبات والعقبات التي قد تواجهه وهو يحوّل حلمه إلى شيء معيش وملموس، وكأنه مسيطر على بيئته سيطرة تامة، ويمتلك قدرات غير محدودة على مستوى الكم والكيف والنوع.

نجد المثالية واضحة في الأساليب التربوية والتعليمية، والمثالية أصبحت أصلاً في الأنشطة التربوية، والتخلص منها يحتاج إلى وعي وجهد. المعلم لدى المثاليين هو محور العملية التعليمية، ولديه أسرار المعرفة والحكمة، أما الطالب أو المتعلم في نظرهم فما هو إلا إناء فارغ ينتظر من يملؤه بنفائس المعرفة والحكمة، وعليه أن يهيئ نفسه لسماع ما يلقى إليه، وهو هادئ وصامت، وما عليه سوى الحفظ، وتكرار ما يحفظه على نفسه، وهذا أقصى جهد يبذله. كما نجده عند بعض الأمهات والآباء المثاليين، الذين لا يسمحون لأبنائهم بارتكاب الأخطاء، تجاه أنفسهم أو غيرهم، وكأنهم ملائكة لا يعصون لهم أمراً ولا يرتكبون الزلات، ويجبرون أولادهم على المذاكرة بالإكراه لتحصيل أعلى الدرجات، ولا يراعون إمكاناتهم وقدراتهم الفطرية. في الحقيقة من يمارس ويتعامل مع أبنائه بهذا الفكر فهو يتعامل مع فكرة عقلية نظرية لا تمس الواقع بشيء.

المثالية تجعل أصحابها ينظرون إلى من يفكرون تفكيراً واقعياً، ويتحدثون عن الأخذ بالأسباب، وإجراء الموازنات، ودراسة موازين القوى وفرص النجاح، نظرة اتهام بتعقيد الأمور أو التخاذل والخوف.

ختاماً، نقول: في الواقع أحياناً نحن نحتاج إلى التسامي على الواقع، ونكون بحاجة إلى شيء من المثالية التي تستحثنا على عدم الرضوخ والاستسلام للمعطيات السيئة، وفهم الأشياء على طبيعتها، وإنزال المصاعب في المكان المناسب من حساباتنا، لتخطي وتجاوز عثرات وصعوبات الحياة.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@