بدأت معاناة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الغرب منذ الثورة الايرانية عام 1979م، ورغم الحصار المتعدد إلا أن إيران استطاعت تنفيذ أعمال التنمية وتحقيق التطور في مجال الطب والصناعات العسكرية والعلمية، بل ان إيران تمتلك إرثاً ثقافياً عميقاً يعود إلى آلاف السنين، كما أننا شهدنا بعض الإنجازات الثقافية كالسينما الإيرانية حصدت بعض الجوائز العالمية، إضافة إلى أن الحركة التشكيلية الإيرانية في حال إبداع لا نظير له.
ولكن المواطن الإيراني بات يعاني اقتصادياً من الحصار رغم الإنتاج الإيراني للنفط، إلا أن تبعات ذلك لم يكن كافياً كون إيران لديها مصروفات خارج إيران وشعبها، وكان لانهيار العملة الإيرانية «التومان» الأثر البالغ على الدولة والشعب بالوقت ذاته، الأمر الذي يدفع بصاحب القرار الإيراني إما التفاوض مع الغرب أو التعرض للمواجهة التي قد تؤدي إلى زعزعة الأوضاع في إيران وإن كان هذا الأمر ليس سهلاً نظراً لطبيعة القوى والتركيبة العسكرية في الجمهورية الإيرانية الإسلامية.
ورغم الحصار فإنّ إيران لديها أوراق اقتصادية مهمة أهمها السوق العراقي الذي بات ملاذاً لها من أجل الاستيراد والتصدير رغم القيود الدولية، الأمر الذي دفع بأميركا الى تقييد سطوة مؤيدي إيران من الساسة العراقيين، الأمر الذي يؤثر سلباً على الاستقرار في المنطقة، كما أن هناك علاقات اقتصادية مع تركيا والصين والهند وروسيا وبعض الدول العربية.
ولان إيران لديها أجندة تجاه المنطقة فقد استخدمت كل الأوراق الممكنة لتحقيق تلك الأجندة، وهي صاحبة الحرب بالوكالة على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن، بيد أنها دفعت الثمن غالياً هذا العام بعد انهيار محور المقاومة من خلال مقتل رئيس حماس إسماعيل هنية في ايران، واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والإطاحة بـ طاغية دمشق بشار الأسد، الذي ظل جاثماً هو وأسرته على الشعب السوري لعقود زادت على عقود الثورة الإيرانية التي ما زالت تحمل نظرية دعم القضية الفلسطينية دون التراجع البتة، وما زالت المعلومات غائبة ان كانت إسرائيل نجحت باغتيال رموز محور المقاومة بسبب التقنية المتطورة للتنصت أم بسبب عناصر قدمت معلومات تقنية وهي عناصر ناشطة داخل محور المقاومة.
وجاء الملف النووي الإيراني وسلسلة المفاوضات انتهت بتوقيع اتفاق مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عام 2015م في عهد أوباما، فكانت فرحة كبرى للنظام الإيراني الذي فرض سيطرته بصورة تفوق ما كان الوضع قبل توقيع الاتفاق، وكأن من بين البنود السرية فسح المجال للنفوذ الإيراني في المنطقة، إضافة إلى حصول إيران على الأموال المجمدة في أميركا فكانت حقبة ذهبية لقطاعات المجتمع الإيراني كافة، الذي لمس بعض مشاريع التنمية، بيد أن الأمر لم يدم طويلاً إذ قام الرئيس دونالد ترامب برفض تلك الاتفاقية في عام 2018م.
وبعد ذلك بدأت عملية الشد والجذب والتصريحات عن الردع العسكري عبر السنوات السابقة، بل وصل الأمر إلى بعض العمليات الفردية البسيطة منها قيام إيران بإسقاط طائرة دون طيار، وتعرض بعض السفن الأميركية إلى هجوم مسلح في المياه الإقليمية.
ولا تزال عملية الشد والجذب بين إيران وأميركا التي تتوعد بالحرب، خاصة بعهد ترامب بتحفيز من نتنياهو واللوبي اليهودي وبعض من فريق ترامب في البيت الأبيض، بيد أن الحسبة الإستراتيجية ما زالت حاضرة للبدء بتلك الحرب حيث إن هناك قواعد أميركية مليئة بالجنود الأميركيين على مرمى نظر السلاح الإيراني المتمثل بأنواع شتى من الصواريخ المتطورة، بل ان أميركا والغرب يخشون من بعض أنواع الأسلحة التي تمتلكها إيران ولم تعلن عنها قط، ولا يمكن الامتثال إلى الضغط الإسرائيلي بشن حرب خاطفة ضد بعض الأهداف الإيرانية لأنها قد تتحول إلى حرب شاملة تؤدي إلى ارتفاع جنوني بأسعار النفط، إضافة إلى تبعات ذلك على استقرار منطقة الخليج العربي والخوف من إغلاق مضيق هرمز.
ان إيران غير مستعدة بتاتاً لخسارة ما بدأته في تنفيذ مشروع نووي ضخم وطموح في «بوشهر»، والمخاوف كبيرة في المنطقة فإن حصل أي تسرب فقد يكون أقرب إلى الكويت وبعض دول الخليج من بقية مناطق إيران، خصوصاً أن هناك محاولات غربية ناجحة في إدخال «فيروس الكتروني» إلى المنظومة الخاصة بالمفاعل النووي المزمع تشييده، وما زال الغرب لا يعرف إلى أي مدى وصلت إيران إلى القدرة على استخدام السلاح النووي، الأمر الذي نفته إيران عبر سلسلة من التصريحات لمسؤولين عدة، إلا أن حالة عدم الثقة بتلك التصريحات من قبل أهل السياسة في الغرب.
لقد تعرضت إيران الى صدمات قوية متمثلة بمقتل قيادات من «حماس» ومن «حزب الله» وفقدها لأي تأثير على سورية مع الامتعاض الكبير لدى الشارع العراقي من التأثير الإيراني.
ورغم التصريحات التي تتوعد بإيران فان المفاوضات بدأت بين إيران وأميركا في سلطنة عمان. ولا تشعر إسرائيل بالرضا وهي تشاهد وتتابع عن كثب تفاصيل المفاوضات الأميركية - الإيرانية لأنها تؤمن بأن الحل الأمثل هو قصف إيران ومفاعلها النووي رغم أن إيران تصر على أن وكالة الطاقة الذرية الدولية التابعة للأمم المتحدة تتابع تفاصيل مشروعها السلمي الذي ترى أن من حقها الحصول عليه.
وترى إسرائيل أن أي هدنة بين إيران والغرب إنما هي فرصة لالتقاط النفس السياسي والتقني لإعادة البناء لمواجهة إسرائيل التي لطالما كان شعاراً مستمراً في العقيدة الإيرانية سياسياً ودينياً وعسكرياً، لذا فإن الكيان الصهيوني لا يرى أي حل مرض لها إلا بتغيير النظام الإيراني، وبالتالي فإنّ المشكلة بين إيران والغرب ليس تفاصيل القضية بينما رؤية نتنياهو هي المشكلة التي تمنع استقرار المنطقة.
ولعل إيران تسعى إلى هدف إستراتيجي وهو المضي قدماً في المماطلة في عملية التفاوض المباشر وغير المباشر مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية والوكالة الدولية إلى أن تنقضي السنوات الأربع الكفيلة بانتهاء حقبة ترامب، الذي يفكر بتمديد فترة حكمه عبر ترشح أحد مؤيديه ليكون ترامب، هو النائب وبعد النجاح في الانتخابات الأميركية المقبلة يستقيل الرئيس ليصبح النائب ترامب، هو الرئيس لفترة رئاسة جديدة!
همسة:
الصراع بين إيران والغرب لن يتوقف.