هل يحقق قانون «الحوالة البديلة» العدالة... أم يفتح باب الاجتهاد؟

تصغير
تكبير

بينما أضع اللمسات الأخيرة على كتابي الجديد «الحوكمة العرجاء - انتشال وطن (6)»، الذي يتناول الفجوات بين التشريعات الكويتية والخليجية والتشريعات الدولية، جاء تشريع «الحوالة البديلة» ليكون الحافز الأخير لإخراج هذا العمل إلى النور بعد أكثر من خمسة وعشرين عاماً من البحث المتقطع والتردد في نشره. فقد مثّل هذا القانون نموذجاً لإشكالية تشريعية قد تتجاوز حدود النص إلى آثار تمس المجتمع والقضاء والاقتصاد.

لقد أثار القانون جدلاً واسعاً في داخلي بسبب صياغته الفضفاضة التي تُجرّم «الحوالة البديلة» بعبارات عامة لا تقدم تعريفاً دقيقاً، وتفرض عقوبات تصل إلى الحبس والغرامات المرتفعة دون وضع ضوابط تحدد ما يعد مخالفة وما يدخل ضمن التحويلات البسيطة أو الأنشطة التي يفترض تنظيمها لا تجريمها. هذا الاتساع في الصياغة يفتح الباب أمام اجتهادات متفاوتة قد تؤدي إلى صدور أحكام مختلفة في قضايا متماثلة، وهو ما ينعكس سلباً على ثقة المجتمع بالمنظومة التشريعية والعدلية.

ولا تقف الإشكالية عند هذا القانون وحده؛ إذ يبرز الأمر ذاته في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهو موضوع ناقشته في أحد كتبي عام 2005. فقد عرّف القانون «الأموال المتحصلة من جريمة» تعريفاً واسعاً للغاية، إذ نصت المادة الأولى على أنه «أي أموال تنشأ أو تحصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب جريمة أصلية...». غير أن القانون لم يحدد بدقة ماهية هذه الجرائم الأصلية، بخلاف التشريعات المقارنة التي وضعت قوائم واضحة. هذا الاتساع يخلق سلطة تقديرية واسعة في التطبيق، مع أن التشريع الجنائي يفترض فيه أن يكون شديد الوضوح في النص والعقوبة، وإلا وجد القضاء نفسه أمام نص لا يمكن تطبيقه بصورة آلية أو حرفية إذا كانت نتائجه غير منطقية أو غير متناسبة أو لا تنسجم مع الهدف التشريعي، بما قد يؤدي إلى خلق مسؤولية جنائية غير مقبولة عقلاً أو قانوناً.

وإذا كان الهدف من تشريع «الحوالة البديلة» هو ضبط التحويلات المالية غير المرخصة، فإن التجريم ليس الخيار الوحيد ولا الأكثر فاعلية. فدولة الإمارات، مثلاً، اعترفت بهذا النظام منذ سنوات، ونظمته من خلال تعليمات المصرف المركزي التي شملت شروط الترخيص والامتثال والرقابة، مما ساهم في دمج الاقتصاد الموازي ضمن إطار قانوني واضح. كما أن مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات في الأمم المتحدة ينظر إلى «الحوالة البديلة» بوصفها وسيلة مالية عالمية، ويدعو الدول إلى تنظيمها بدلاً من تجريمها بالكامل، لأن التجريم غير المدروس قد يدفع التعاملات إلى خارج نطاق الرقابة.

إن جوهر القضية لا يتعلق بالرغبة في حماية النظام المالي -وهو واجب لا يختلف عليه اثنان- بل بضرورة صياغة نصوص محكمة لا تترك المواطن أو القاضي أمام اجتهادات مفتوحة. فالمشكلة ليست في الرقابة نفسها، بل في جودة النص وقدرته على وضع معايير واضحة تمنع التباين والإرباك القانوني.

نحن اليوم أمام خيار واضح: إما الاستمرار في إصدار نصوص عامة قد تتباين فيها الأحكام في القضايا المتشابهة، أو الانتقال إلى نهج تشريعي حديث يستفيد من التجارب الدولية ويعتمد معايير دقيقة وواضحة. فالأمن المالي لا يتحقق بالعقوبات وحدها، بل بالتنظيم الرشيد، والعدالة لا تُبنى بالنوايا بل بالنصوص المحكمة التي تعزز الثقة بعدالة التطبيق.

وهذه دعوة إلى المعنيين بصياغة التشريعات لإجراء مراجعة هادئة وشاملة، بما يضمن اتساق القوانين وانسجامها، ويحمي المجتمع والاقتصاد، ويسهم في خلق بيئة قانونية جاذبة للاستثمار.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي