صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض» رواه البخاري.
نبينا صلى الله عليه وسلم، يدعو على من تعلق قلبه بالمال والثياب والفرش والأثاث، بالهلاك والعسر في مساعيه، والعبارة هنا مَجازية، والمراد منها الشغف الدائم والسعي المستمر لامتلاك المال، إلى درجة أن يصبح محور حياة الإنسان ومقصده ومعقد سعادته، حتى إنه يشعر بالرضا إن حصل عليه، ويسخط إن لم يحصل عليه.
هذه قضية مهمة للغاية، حيث إن الجزء الأكبر من نشاطنا اليومي يُصرف في أداء مأجور، أي من أجل المال. يحرص معظم الناس على المزيد من المال، لتصبح الحياة أجود، ويصبح الناس معها أسعد.
تقول إحدى الدراسات: إن دخل الفرد في الولايات المتحدة الأميركية قد تضاعف بعد الحرب العالمية الثانية ثلاث مرات، بعد أخْذ التضخم بعين الاعتبار، كما أن حجم المنازل الجديدة قد زاد إلى أكثر من الضعف، وصار كثير من المنتجات الإلكترونية والكهربائية التي تجعل الحياة أكثر سهولة متاحاً لعامة الناس. ولكن إذا نظرنا إلى معدلات السعادة بين الأميركيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فسنجد أنها ثابتة كما هي في خمسينات القرن الماضي، أضف إلى هذا أن حالات الاكتئاب لدى الأميركيين تتزايد على نحو مستمر منذ خمسينات القرن الماضي، حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن حالات الاكتئاب المرضية زادت من ثلاث إلى عشر مرات طبقاً للتعريفات المختلفة للاكتئاب، هذا كله يعني أنه على الرغم من زيادة المال وتوفر كثير من المرفّهات، فإن الناس لم يصبحوا أكثر سعادة.
كثير من الناس يقولون: إن السعادة لا تُشترى بالمال، ويؤكد هذه المقولة استطلاع قامت به مجلة «التايم» الأميركية حول أهم مصادر السعادة، حيث تم وضع المال في المرتبة الرابعة عشرة، ولكن من الواضح أن الناس في حياتهم اليومية لا يتحركون بناء على هذا، إذ إن معظم أنشطتهم اليومية يتركز في محاولة الحصول على أشياء لا يمكن الحصول عليها إلا بالمال، هذا عوضاً عن ممارسة الأنشطة التي تجلب السعادة الحقيقية، مثل: التعبد، والتطوع في الأعمال الخيرية، والتواصل الاجتماعي، والأنشطة الأدبية والرياضية.
وفي الختام نقول: إن السعادة فعلاً لا تشترى بالمال، والدليل على ذلك يكمن في أن الأشياء الأهم في الحياة لا تباع في المحلات التجارية، وكيف نشتري الطمأنينة إلى مستقبلنا الأخروي بالمال إن لم يكن هناك إيمان بالله واليوم الآخر؟! وكيف يكون لدينا أبناء بررة وصالحون من خلال المال؟! وكيف نكسب احترام الناس وتقديرهم من خلال المال وحده؟!... أسئلة كثيرة يمكن أن نطرحها هنا، نعم قدر من المال مطلوب لتجنب الشعور بالتعاسة، ولكنه أقل بكثير مما يظنه معظم الناس. وهل هذا يجعلنا نصرف الكثير من اهتماماتنا وأنشطتنا في سُبل تحقق لنا السعادة، غير سبيل كسب المزيد من المال؟ لا نظن ذلك، فمفهوم ارتباط تعاظم الثروة بالسعادة مفهوم متجذر جداً.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@