ضمن الاحتفال بالكويت عاصمة الثقافة والإعلام العربي 2025، انطلقت مساء الأحد الماضي فعاليات ملتقى «مائة عام على الحركة الثقافية في الكويت» تحت رعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وذلك في مقر «رابطة الأدباء الكويتيين» ووسط حضور عدد من المهتمين بالشأن الثقافي.
وشهد اليوم الأول من الملتقى، الذي يستمر لثلاثة أيام، ثلاث محاضرات، تعنونت بـ«استرداد حمد الرجيب» و«السياحة التراثية» و«المكتبة الأهلية الكويتية والنادي الأدبي الكويتي... تجربتان ثقافيتان رائدتان في تاريخ الكويت».
«مشروعان ثقافيان»
البداية كانت مع الدكتور عايد الجريد، في محاضرة «المكتبة الأهلية الكويتية والنادي الأدبي الكويتي... تجربتان ثقافيتان رائدتان في تاريخ الكويت»، حيث استعرض خلالها أبرز المحطات التاريخية في تأسيس هذين الصرحين الثقافيين.
وأوضح الجريد أن المكتبة الأهلية الكويتية، التي تأسست عام 1923، والنادي الأدبي الكويتي الذي تأسس عام 1920، كانا مشروعين ثقافيين رائدين أسسا من قبل نخبة من مثقفي الكويت، وأسهما في نشر الوعي والمعرفة وتعزيز النشاط الفكري في المجتمع.
«استرداد حمد الرجيب»
وقال الدكتور علي العنزي، في محاضرة «استرداد حمد الرجيب»، التي تناولت رائد الحركة المسرحية في الكويت حمد الرجيب، إن «الرجيب يُعد من الشخصيات المؤسسة في المشهد الثقافي الكويتي، والاحتفاء بمئوية ميلاد الثقافة الكويتية يمثل فرصة نادرة لاسترداد الوعي، لا مجرد استعادة الذكرى»، لافتاً إلى أن «ما نعيشه اليوم من مكاسب ثقافية لم يكن ليحدث لولا رجال أخلصوا أكثر مما قالوا، كما كان حال حمد الرجيب، الذي جسّد مثالاً حياً على صدق النية وعمق الأثر».
وأشار العنزي خلال كلمته إلى «تأثر الرجيب مبكراً بأسرة الشماس، حيث اعتاد في طفولته سماع الترانيم والتراتيل بمنزل الأسرة، فكانت تلك الأصوات ليست مجرد طقس عابر، بل شكّلت وعياً روحياً وموسيقياً ترك بصمته على تكوينه الفني. ورأى في تلك التراتيل وأغاني البحارة أشكالاً من الابتهال الجماعي تتقاطع في الغاية وإن اختلفت في المرجعية، فشكلّ هذا التصور مدخلاً نقدياً مهماً لفهم علاقته بالموسيقى».
وعرّج العنزي على علاقة الرجيب بالمفكر المسرحي زكي طليمات، مؤكداً أن جلب الأول للثاني إلى الكويت لم يكن اختياراً عفوياً أو لغايات استعراضية، بل كان قراراً مؤسسياً واعياً.
كما أثنى في حديثه على تجربة الرجيب في تدشين ثقافة «الاختبار لا التعيين العشوائي»، مشيراً أنها كانت أول تجربة منظمة في المسرح الكويتي لما يعرف عالمياً بثقافة «الأوديشن»، حيث قام الرجيب بمقابلة واختبار مئات الشباب الكويتيين بعين فاحصة، نتج عنها تكوين فرقة المسرح العربي.
وفي ختام حديثه، استعرض العنزي تجربة الرجيب في تأسيس «مجلة الرائد» التي صدرت عن نادي المعلمين.
«الكتب والتبادل الثقافي»
وفي محاضرة «السياحة التراثية»، انطلق عضو مجلس إدارة الجمعية الكويتية للتراث الباحث صالح المسباح في الحديث متناولاً نشأة المكتبات في الكويت، ومسلطاً الضوء على البعد الثقافي العميق للمجتمع الكويتي، لافتاً إلى تعدد المكتبات في الكويت، بين الوطنية والعامة والخاصة بالوزارات ومكتبات المدارس والمعاهد والجامعات والأكاديميات، إلى جانب مكتبات المساجد، والمؤسسات الخيرية وكذلك المكتبات التجارية.
وأكد في حديثه على أن أهل الكويت كانوا على قدرٍ عالٍ من الثقافة، واهتمامهم بالقراءة واقتناء الكتب كان بارزاً منذ وقت مبكر، فكانوا يجلبون الكتب من مختلف دول العالم خلال رحلاتهم البحرية التي ساهمت في تسهيل عملية الشراء والتبادل الثقافي.
كما كشف في سياق حديثه عن أن أول مخطوطة خُطّت في الكويت وتعود إلى العام 1682، والتي قام بكتابتها الشيخ مسيعيد بن أحمد بن مساعد، وكانت نسخة من كتاب «الموطأ» للإمام مالك بن أنس، مبيناً أنها تُعتبر دليلاً واضحاً على وجود حراك ثقافي مبكر في الكويت، يعكس اهتمام أهلها بالثقافة.
«السياحة أبرز مصادر الدخل»
بدوره، توجه رئيس الجمعية الكويتية للتراث فهد العبدالجليل إلى مفهوم السياحة التراثية وأهميتها، مشيراً إلى أنها تمثل أحد أبرز مصادر الدخل في دول مجلس التعاون الخليجي، وتسهم بشكل ملحوظ في الناتج المحلي لتلك الدول.
وأكدّ على ضرورة تطوير هذا القطاع الحيوي واستثماره بالشكل الأمثل، موضحاً أن الكويت تمتلك المقومات الأساسية التي تتيح لها تحقيق نجاح كبير في مجال السياحة التراثية، مثل المباني التاريخية والأسواق القديمة، بالإضافة إلى الآثار الموجودة في جزيرة فيلكا.
وأضاف العبدالجليل أن «الموقع الجغرافي المميز للكويت يعزز من فرصها في هذا المجال»، مؤكداً أن «تطوير السياحة التراثية في الكويت يتطلب توفير مجموعة من العوامل الداعمة، من أبرزها بيئة تشريعية مرنة ومحفزة، قدرات فنية متخصصة في ترميم المباني الأثرية والحفاظ عليها، بنية تحتية متكاملة تشمل خدمات النقل والضيافة».
الجسار: النهوض بالثقافة مسؤولية جماعية
أكد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجسار أن النهوض بالثقافة مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الطاقات وتكامل الأدوار من أجل ترسيخ مكانة دولة الكويت الثقافية وريادتها الإقليمية.
واعتبر الجسار في كلمة ألقاها خلال افتتاح الملتقى أن «هذا الملتقى ليس مجرد احتفاء بالماضي العريق بل هو تأكيد على استمرارية الإبداع والنهضة الثقافية التي تشهدها بلادنا، فالكويت عبر تاريخها كانت ولاتزال منارة للفكر والأدب وحاضنة للمواهب التي أسهمت في إثراء المشهدين العربي والعالمي».
ونوه بالدور الرائد الذي تقوم به رابطة الأدباء الكويتيين باعتبارها واحدة من أعرق المؤسسات الثقافية في دولة الكويت.
وبيّن أن الرابطة شكلت فضاء خصباً للكلمة الحرة والعمل الأدبي الجاد وأسهمت في رعاية أجيال من الكتاب والمفكرين الذين تركوا بصماتهم على الحياة الثقافية في الكويت والمنطقة.
«بناء الهوية الثقافية الكويتية»
اعتبر أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين المهندس حميدي المطيري أن «الحركة الأدبية والثقافية في الكويت شكلت ركيزة أساسية في بناء الهوية الثقافية الكويتية، ورسخت مكانة الكويت كمركز مشعٍ في الخليج العربي والعالم العربي على حد سواء»، لافتاً إلى أن هذه الحركة «شهدت منذ بداياتها في أوائل القرن العشرين نهضة فكرية شاملة، قادها جيل من الرواد الذين آمنوا بالكلمة الحرة وبقيمة الأدب في التعبير عن الذات والواقع والطموحات الوطنية».