إنّ السعادة شعور داخلي يتجسّد في سكينة النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر وراحة الضمير، والإحساس بالراحة والمتعة. إنّ شعور الإنسان بأنه على الطريق الصحيح، وأنه على المستوى الأخلاقي يقوم بما يجب عليه القيام به، يوفر له مصدراً مهماً للشعور بالرضا والسعادة، وإنّ قوة الإيمان بالقيم التي يؤمن بها المرء تتحكم بهذا الشعور.

من المهم أن نعرف موارد الشعور بالسعادة، لأن معرفة تلك الموارد تساعدنا على حماية أنفسنا من الجري خلف الأوهام التي وقع فيها كثير من الناس من قبلنا، إذا قلنا إن قيمة الصدق وهي تشكّل قيمة عظيمة لدى كل المجتمعات، فهذا يعني أن المرء الذي يفشل في الشعور بأنه يقوم بالحد المقبول من صدقه في قوله وعمله، سيفقد الشعور باللياقة الأخلاقية أمام مجتمعه، وهذا مصدر تكدير وإزعاج له، أما الإنسان الذي يتغلّب على نفسه ويجاهدها بأن يكون صادقاً في فعله وقوله، فيشعر بلذة النصر، وينتظر الثواب من الله تعالى في الآخرة، وهذا مصدر عظيم للطمأنينة.

إنّ شعور أي شخص بالرضا عن وضعه العام يوفّر له مورداً مهماً للشعور بالراحة والأمان والسرور.

بعض الناس يقضون معظم أيام حياتهم في البحث عن أمور توفر لهم سعادة أعظم، ومن خلال الرحلة الشاقة لا يجدون الوقت للاستمتاع بما بين أيديهم من صحة وأهل وأمن ومال... وإذا بلغ الواحد منهم الخمسين أو الستين، وهو يبحث عن المزيد من المال والنفوذ وأسباب القوة شعر أن قدرته الروحية والنفسية والجسدية على الاستمتاع قد تراجعت، وأن أمراض التقدم في السّن أخذت بغزو جسده، وهكذا يمكن لأي واحد منا أن يقع في مصيدة أن يقضي الشطر الأول من حياته في اشتهاء مباهج الشطر الثاني، ويقضي الشطر الثاني في الندم على ما فاته في الشطر الأول من حياته، من هنا كان التمتع بما هو موجود وفي كل مراحل الحياة هو ما تقضي به الحكمة، الاستمتاع بالقليل يحتاج إلى أن ندرب أنفسنا على القناعة والاحتفال بأمور غير مادية مثل الصحة والأمن والعيش بين الأحبة واحترام الناس.

قامت جامعة «هارفارد» بدراسة استمرت ثمانين عاماً، وقد خلصت تلك الدراسة إلى أنه: لا الثروة ولا الخصائص الوراثية الجيدة، ولا الذكاء ولا الوضع الاجتماعي المرموق، كل له تأثير في صحة الإنسان ورفاهيته وسعادته مثل علاقته بالآخرين. إن حاولنا أن نتذكر أعظم الأفراح التي شعرنا بها في حياتنا، سنجدها أفراحاً جماعية أي مستمدة من كوننا وقت أفراحنا كنّا مع جماعة، ومن هنا نفهم سر تركيز ديننا الحنيف على معاني برّ الوالدين، وصلة الأرحام والإحسان للجار، وإكرام الضيف، والوفاء للصديق، ومعاملة الناس بالأخلاق الحسنة... مهما أنفقنا من وقت ومال وجهد في سبيل الاحتفاظ بعلاقات اجتماعية جيدة، فإن ما نكسبه أكثر بكثير مما نقدمه.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@