عندما يكون الشعور أقسى من الألم حينها تعرف أنك فقدت وطناً...«إنه شعور يفوق الألم». هذه الكلمات تختزل الألم الذي ما زال يسكن أرواح من عاشوا يوم الثاني من أغسطس 1990، هذه العبارة تختزل الحكاية المريرة التي انغرست في الذاكرة، وتشهد على ألم لا يزال ينبض في القلوب، حتى بعد خمسة وثلاثين عاماً.

«أن تفقد وطناً يعني أن تفقد نفسك».

تشعر بالضياع وكأنك فقدت هويتك، تعيش اليُتم الحقيقي إلى درجة أنك تحس بالمسح على رأسك مِن كل مَن حولك... تدوخ ثم تكتشف أن الذاكرة لم تعد تحمل سوى صور مبعثرة لا تكتمل عما جرى... يموت الأمل في داخلك، وتخفت ملامح الأشياء من بصرك، وتشعر حتى ظلك لم يعد يرافقك، وكأنك غريب عن نفسك، تائه في عالم لم تعد تعرفه.

إنه شعور قاسٍ، لا زمن له. الثواني تصبح خلالها سنوات تنطوي بها بسرعة تفوق عمرك فينعدم معك الوقت، فلا ترى سوى ذلك المكان الذي كان وطناً، ثم تدرك أن الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية كنت تعيش فيها، بل هو جزء منك، يسكن داخلك كما تسكنه، وحين تفقده تفقد نفسك معه.

هكذا، وبأبسط العبارات وأقلّها دلاله، يمكن وصف ما شعر به الكويتيون يوم حلّ العدوان. لم يكن مجرد احتلال، بل كان اقتلاعاً من الجذور. فجأة، وجدنا أنفسنا بلا وطن، وكان الشعور أشد من أي ألم اختبرناه من قبل. في حياتنا فقدنا أصدقاء وأحباء وأقرباء، تألمنا وبكينا عليهم، لكننا اعتدنا على ذلك الحزن ومضينا، فهو جزء من الحياة. أما فقدان الوطن، فكان شيئاً لا يمكن التعايش معه، لا يمكن الاعتياد عليه... لا يمكن الصبر على ألمه. لذلك، الذين عاشوا تلك الفترة يعرفون أن هناك شعوراً أشد من الألم... أن تكون بلا وطن.

على جيلنا، الذي عايش تلك الأيام، أن ينقل إلى الأجيال القادمة معنى الوطن، خاصة حين يكون الوطن الكويت. عليهم أن يعرفوا قيمة أن يكون لهم قائد أب، كما كان الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، الذي كان أول سؤال خطر ببال الجميع عند وقوع الكارثة: أين أميرنا؟ هل هو بخير؟ وعندما عرفنا أنه بخير، عاد إلينا الأمل بأن الكويت ستعود أيضاً.

علينا أن نُعلِّم أبناءنا قيمة أن يكون لهم إخوة وأخوات في الوطن، فحين كنا نجد بعضنا البعض وسط الغربة القسرية أو البرهة القهرية، كنا نشعر وكأن السراب قد تحول إلى ماء في حر رمضاء، وكأننا نعود للحياة بعد ممات.

أن يكون لك وطن، شعور لا يُوصف... فكيف يمكن وصف أن تفقده؟ إنه وجع لا يضاهيه أي ألم. حافظوا عليه... فإن «الكويت وطن».