إن التاريخ عُملة ذات وجهين، وجه يظل على استعداد لتقديم الخبرة والنصح، وبذل المساعدة على فهم الطبيعة البشرية، ووجه آخر يظل على أتم الاستعداد لخداعنا، وتقديم الصور الزائفة والمجافية للحقائق والوقائع الأكيدة.
إن التاريخ عامل مهم لتوازن الإنسان، وذلك لأن الإنسان جُبل على الانشغال بالظروف التي تحيط به، وقصْر النظر على المرحلة التي هو فيها، لذا التاريخ يعلمنا ضرورة العمل للحفاظ على الخير الذي نحن فيه، والعمل على الابتعاد عن عوامل استقدام الشرور والهزائم.
إن التاريخ يساعدنا مساعدة عظيمة على فهم الطبيعة البشرية حق الفهم، وذلك لأن في أعماق الإنسان رغبة مُلحّة في فهم الأشياء وعلاقاتها، ورغبة طبيعية (غريزية) في كسر حواجز الزمن وكأننا نريد تجاهل شيء اسمه ماضٍ أو مستقبل، فكل الأزمنة متصلة، والتجربة الإنسانية واحدة مستمرة، ونحن في الحقيقة لا نستطيع فهم أي كينونة بعمق إلا إذا فهمنا تاريخها: النشأة والمراحل والمنعطفات التي مرت بها، إلى جانب العوامل والعوائق والعلاقات المؤثرة فيها، وحين نخفق في إدراك شيء من هذا نشعر أن معرفتنا بها غير مكتملة.
إن التاريخ كذلك يدلنا على خصائص مجالات الحياة وأحوالها المختلفة، إنه يدلنا على سلوك الناس في التجارة والسياسة، وفي التفاوض والحرب والسفر والحضر، ونرى في حوادث التاريخ الإنسان وهو يعزم ويصر، ونراه وهو يترخص ويلتمس الأعذار.
إن التاريخ مهم جداً في حياتنا، من خلاله نرى بأم أعيننا السنن والقوانين التي بثها الله - تعالى - في الخلق، فتتحسن بصيرتنا، إذ نرى النهايات يوم يخبرنا التاريخ عن البدايات. وللكون لغة يعبّر بها عن نفسه، وإن السنن هي اللغة التي من خلالها نفهم منطق الأشياء واتجاهات تطورها. من خلال التاريخ نختبر معارفنا وخبراتنا، حيث نرى صواب كثير من التوقعات والتنبؤات القائمة على فهم وتعليل صحيحين، ونرى وهْمَ بعضٍ آخر منها. من خلال التاريخ نرى ثمرات إعدادنا للموهوبين، وعواقب الجهل والإعراض عن التعلم. كذلك من خلاله نرى أهمية الأحداث التاريخية ومدى إسهامها في تغيير حياة الناس.
إننا من خلال فهم مسيرة التاريخ بعمق نكتشف فعلاً ما هو طبيعي من الأحداث والتطورات، فيستمر ويثبت ونكتشف ما هو غير طبيعي، فيكون طارئاً وعارضاً ومصيره الزوال والاضمحلال.
لم يأتِ حبنا للتاريخ من فراغ على كل ما ذكرناه من إيجابيات، كذلك يتكفل بتوضيح العلاقات الجدلية، التي تتعب العقل البشري، حيث إن كثيراً منها يحدث على امتداد أزمان متطاولة، تجعل مشاهدة الإنسان لها على نحو مباشر متعذراً، فيلجأ إلى التاريخ ليخبره بمصائر تلك العلاقات وإفرازاتها.
التاريخ هو السجل الذي يتم فيه تسجيل كل أحداث الحياة، الاجتماعي منها والسياسي والتربوي والاقتصادي والصحي... للاستفادة منها وتوظيفها في حياتنا وتتم العناية بحفظها، والرجوع إليها كلما احتجنا لها.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@