احتار في وصف الحب الفلاسفة في الشرق والغرب... كما احتار فيه الأطباء والحكماء والأدباء وقديماً كانت الفلسفة بين الرقي إلى وقت قريب مضى.
المحب يتعرّض لهمٍّ وحزن، ويصيبه الهزال، والإحساس بالوهن... ولا يصغي إلى الناصحين، ويذهب إلى حتفه برجليه كما ذهب كثير من الهذليين.
وقد احتوى الأدب الأوروبي الرومانسي على الربط بين الحب والموت، وبحثوا في الطب والرقي.
إنّ قضية الحب من أهم القضايا الإنسانية، اهتم التراث العربي به، في زمن مبكر، حتى أن الأدب الغربي قد اقتنى آثار الكتابات العربية... ومن المحدثين الدكتور زكريا إبراهيم، وله كتاب هو (مشكلة الحب) ضمن سلسلة من كتبه في الفلسفة.
وهناك علماء في الفقه كتبوا في الحب، منهم ابن حزم الأندلسي في كتابه (طوق الحمامة) و(روضة المحبين ونزهة المشتاقين) لابن الجوزية و(مصارع العشاق) لابن السراج.
وذكرتُ أنا آثار الكُتّاب العرب، في فلسفة الحب، في كتابي (العاشقون العرب لبنات أعمامهم) طباعة (دار الوطن) سنة 2008.
وقال في الحب الأدباء والشعراء الذين لهم في الفكر آراء وعِبر، وأكثرهم أبدى عدم معرفته في أسرار فلسفة الحب التي احتار فيها علماء الشرق والغرب.
فقد قال الحصري القيرواني:
إني أُحِبُّكِ حُباً ليس يَبْلُغُهُ
فَهْمٌ ولا ينتهي وصفي إلى صِفَتِه
أَقصى نهايةِ عِلمي فيه مَعْرفتي
بالعَجْزِ مِنّي عن إدراكِ معرِفَتِه
ويقول البهاء زهير:
يقول أُناس لَو وَصَفتَ لنا الهوى
وواللهِ ما أَدري الهوى كيفَ يوصَفُ
ويقول أحمد شوقي:
يقولُ أناسٌ: لو وصَفتَ لنا الهوى
لَعَلَّ الذي لا يعرِفُ الحب يعرِفُ
فَقُلتُ لقد ذُقْتُ الهوى ثم ذُقتُه
فوالله ما أدري الهوى كيف يوصَفُ؟
ويقول أبوالعتاهية:
يقول أناسٌ: لو نَعَتَّ لنا الهوى
وواللهِ ما أدري لهم كيف أنعتُ
سقام على جسمي كثير موسّع
ونومٌ على عيني قليلٌ مُفَوّتُ
إذا اشتدَّ ما بي كان أفضَلَ حِيلتي
له وضعُ كفّي فوق خدي وأَسْكُتُ
وذكر الحصري القيرواني في الجزء الثالث من (زهر الآداب) قول امرأة لأخرى: ليس أمر الهوى إلى الرأي فيملكه، ولا إلى العقل فيدبره، وهو أغلب قدرة، وأمنع جانباً من أن تنفُذَ فيه حيلة الحازم، أو ما سمعت قول الشاعر:
ليس أمر الهوى يدبر بالرأي
ولا بالقياس والتفكير
وذكر الحُصري أيضاً، أنّ أعرابياً وصف الهوى فقال عنه:
(هو أعظم مسلكاً في القلب من الروح في الجسد، وأملك بالنفس من النفس، وامتنع عن وصفه اللسان، وعَيِيَ عنه البيان)، وأنشد:
يقولون لو دَبّرتَ بالعقلِ حُبها
ولا خيرَ في حُبّ يُدَبّرُ بالعَقْل
وقالت أعرابية تصف الحب:
خَفِيَ عن أن يُرى، وجلَّ أن يخفَى، فهو كامن كالنار في الحجر، إن قدحته أورى وإن تركته توارى، فهو إن لم يكن شعبةً من الجنون، فهو عصارةُ السحر.
ويقول الأحوص:
إذا أنتَ لم تَعْشَق ولم تدرِ ما الهوى
فَكُنْ حَجَراً من يابسِ الصخرِ جَلْمَدا