مساء الجمعة، «نزفت» موسكو بشدة، من هجوم إرهابي يُعد الأكثر فتكاً في روسيا منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حاصداً مئات الضحايا، بينما وصف خبراء، الهجوم على المركز التجاري «كروكوس سيتي» في موسكو بأنه «رسالة ممهورة بالدم» إلى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي دان «العمل الإرهابي الهمجي»، وذلك بعد أيام من فوزه بفترة رئاسة جديدة.

وفي حين تبنّى تنظيم «داعش خراسان» الهجوم، مشيراً إلى أن مقاتليه «انسحبوا إلى قواعدهم بسلام»، رفضت كييف الاتهامات الروسية بوجود صلة بين أوكرانيا ومنفذّي الهجوم، بينما أشارت وسائل إعلام روسية، إلى أن بعض المشتبه بهم من طاجيكستان.

وأفاد الكرملين في بيان بأن مدير جهاز الأمن الفيديرالي (إف إس بي) ألكسندر بورتنيكوف، أبلغ بوتين «بتوقيف 11 شخصاً، بينهم أربعة إرهابيين ضالعين مباشرة في الهجوم»، الذي أسفر عن مقتل نحو 150 شخصاً على الأقل، حتى بعد ظهر أمس، إضافة إلى عشرات الجرحى.

وأكد بوتين من جانبه، «أوقف منفّذو العمل الإرهابي الأربعة الذين أطلقوا النار وقتلوا الناس. كانوا متّجهين نحو أوكرانيا حيث، وفقاً لمعلومات أولية، كانت لديهم نافذة عبور للحدود».

وتابع في كلمة متلفزة للأمة «أتحدث إليكم في شأن العمل الإرهابي الدموي الهمجي الذي راح ضحيته عشرات الأشخاص الأبرياء المسالمين... أعلن يوم 24 مارس يوم حداد وطني».

وأوقف الأربعة، في منطقة بريانسك الواقعة على الحدود مع أوكرانيا وبيلاروسيا، وفق لجنة التحقيق.

«جهات اتصال»

وأوردت «وكالة تاس للأنباء» نقلاً عن أجهزة الأمن الروسية، انه «بعد تنفيذ الهجوم الإرهابي، كان المجرمون يعتزمون عبور الحدود الروسية - الأوكرانية وكانت لديهم جهات اتصال مناسبة على الجانب الأوكراني».

وكتب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، على «تلغرام»: «الإرهابيون يفهمون فقط بالرد عليهم بالقوة. لن تجدي المحاكم والتحقيقات نفعاً إذا لم تُواجه القوة بالقوة... بالموت من خلال الإعدام الكامل للإرهابيين ومحاسبة أسرهم... تلك تجربة عالمية».

وأضاف الرئيس السابق: «إذا ثبت أن هؤلاء إرهابيون يتبعون لنظام كييف فسنقضي عليهم وعلى مسؤوليهم، يجب العثور عليهم جميعا والقضاء عليهم بلا رحمة باعتبارهم إرهابيين»، رافعاً شعار «الموت مقابل الموت».

كييف ترفض الاتهامات

من جانبها، رفضت كييف الاتهامات الروسية بوجود صلة بين أوكرانيا ومنفّذي الهجوم.

وقال المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك على منصة «إكس» إن «الروايات التي تقدّمها الأجهزة الخاصة الروسية في ما يتعلق بأوكرانيا غير مقبولة وسخيفة».

واتّهمت الاستخبارات العسكريّة، الأجهزة الخاصّة الروسيّة بالتخطيط للهجوم، معتبرة أنّه «يجب أن يُفهم على أنّه تهديد من بوتين لإثارة التصعيد وتوسيع الحرب» الجارية منذ أكثر من عامين.

كما أكّد «فيلق حرية روسيا» المؤلّف من مقاتلين روس يحاربون إلى جانب كييف، في بيان أنّ «الفيلق ليس في حالة حرب مع الروس المسالمين»، متهما قوّات الأمن الروسيّة بالتخطيط للهجوم.

مشتبه بهم من طاجيكستان

ورغم تبني «داعش» الهجوم، يبقى هناك العديد من الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها.

وبحسب وسائل إعلام روسية والنائب ألكسندر خينستين، فإن بعض المشتبه بهم من طاجيكستان.

وأوضحت سلطات طاجيكستان الواقعة في آسيا الوسطى أنها «لم تتلق تأكيدات من السلطات الروسية في شأن المعلومات الكاذبة المتداولة حالياً حول ضلوع مواطنين» من طاجيكستان في الهجوم.

ومنذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991، تواجه طاجيكستان العديد من الحركات الإسلامية المسلحة. وفي السنوات الأخيرة، اتُهم مواطنون طاجيكيون بضلوعهم في هجمات جهادية، خصوصا في إيران.

مأساة كروكوس سيتي هول

والهجوم الذي بدأت وسائل الإعلام الروسيّة الإبلاغ عنه نحو الثامنة والربع مساء (15.30 ت غ)، نفّذه المسلّحون في كروكوس سيتي هول، وهي قاعة للحفلات الموسيقيّة تقع في كراسنوغورسك عند المخرج الشمالي الغربي للعاصمة.

ونشرت قناتا «بازا» و«ماش» الإخباريتان المقربتان من سلطات إنفاذ القانون، مقاطع فيديو تظهر مسلّحَين على الأقل يدخلان إلى القاعة ومشاهد أخرى تظهر جثثاً ومجموعات من الأشخاص يهرعون للخروج.

وأوضحت لجنة التحقيق أن المهاجمين المشتبه في تنفيذهم الهجوم استخدموا «أسلحة أوتوماتيكية» وأشعلوا المبنى بواسطة «سائل قابل للاشتعال».

وأوضحت أن هناك أشخاصا توفوا متأثرين بإصابتهم بأعيرة نارية ومن استنشاق الدخان بعدما اشتعلت النيران في المبنى.

ووفق صحافي في «وكالة ريا نوفوستي للأنباء»، اقتحم أفراد يرتدون ملابس مموّهة قاعة الحفل قبل أن يفتحوا النار ويُلقوا «قنبلة يدويّة أو قنبلة حارقة، ما تسبّب في نشوب حريق».

وتابع «ارتمى الأشخاص الموجودون في القاعة أرضا للاحتماء من إطلاق النار لمدّة 15 إلى 20 دقيقة، وبعد ذلك بدأوا بالزحف للخروج. وتمكّن كثيرون من الخروج».

وقال أليكسي، وهو منتج موسيقي كان في غرفة تبديل الملابس وقت الهجوم، لـ «فرانس برس»، «قبل البداية مباشرة، سمعنا فجأة رشقات ناريّة من أسلحة رشّاشة وصراخ امرأة ثمّ الكثير من الصراخ».

وشاهد صحافيون في «فرانس برس»، مساء الجمعة المبنى يجتاحه حريق كبير، مع تصاعد أعمدة من الدخان الأسود من سطحه.

وامتدت النيران إلى مسافة 13 ألف متر مربع قبل التمكن من السيطرة عليه، بحسب أجهزة الطوارئ.

وأمس، كانت عناصر من الشرطة والقوات الخاصة مازالت منتشرة خارج القاعة حيث أصبح الجزء العلوي متفحماً ومدمّراً جزئياً بسبب النيران التي اجتاحته في اليوم السابق.

وكان مئات من عناصر الإنقاذ يعملون على إزالة الأنقاض، وهي مهمة أعلن حاكم منطقة موسكو أنها ستستغرق أياما عدة.

وكتب أندري فوروبيوف على «تليغرام»، «يعمل عناصر الإنقاذ 24 ساعة على 24 في الموقع (...) عثر على 20 جثة أخرى تحت الأنقاض. سيستمر العمل لأيام عدة».

ومنذ الصباح، اصطفت طوابير طويلة أمام بعض مراكز التبرع بالدم في موسكو، كما أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام الحكومية.

كما ظهرت في بعض مواقف الحافلات في المدينة ملصقات تظهر شمعة مرفقة بجملة «نحن في حداد 22/03/2024» وهو تاريخ الهجوم.

وأثار الهجوم إدانات المجتمع الدولي الذي أبدى وحدته مع الشعب الروسي، في حين شدّدت التدابير الأمنية وألغيت العديد من الفعاليات العامة.

تحذيرات سابقة... واتهامات
قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، إن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على علم مسبق بالهجوم المسلح على قاعة الحفلات في موسكو، بينما أعلن البيت الأبيض، أنه حذر روسيا، من هجوم إرهابي محتمل ضد «تجمعات كبيرة».
وأضاف فوتشيتش، مساء الجمعة، «هذا شيء قلناه مرات عدة، لكن قلة قليلة من الناس تريد سماعه، وقليل جداً من الناس يريدون تصديقه، وقليل جداً من الناس يفكرون في النظر إلى الحقائق».
وتابع أن «السفارة الأميركية في موسكو دعت مواطنيها في 7 مارس إلى عدم الذهاب لمراكز التسوق، وفعل البريطانيون وغيرهم الشيء نفسه».
وأضاف «هذا يعني أن أجهزتهم الاستخبارية الخاصة كانت تستمع إلى بعض المحادثات وتحصل على معلومات وكانت تعلم أن هذا سيحدث».
وكانت السفارة الأميركيّة حذّرت مواطنيها قبل أسبوعين من أنّ «متطرّفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف تجمّعات كبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقيّة»، ودعتهم إلى «تجنب التجمعات الكبيرة خلال الـ48 ساعة المقبلة».
وعقب الحادث مساء الجمعة، قالت أدريان واتسون، من مجلس الأمن القومي الأميركي، «كانت لدى الإدارة الأميركيّة معلومات في شأن مخطّط هجوم إرهابي في موسكو يُحتمل أن يستهدف تجمّعات كبيرة، بما في ذلك الحفلات الموسيقيّة، وقد تشاركت واشنطن هذه المعلومات مع موسكو».
وتعليقاً على الإنذار الذي نشرته السفارة الأميركية، أوضح الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي «أنا لا أعتقد أن الأمر كان مرتبطاً بهذا الهجوم تحديداً».
لكن الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، ردّت بأنه «إذا كانت لدى الولايات المتحدة أو إذا حصلت على بيانات موثوقة حول هذا الموضوع، فيجب عليها نقلها على الفور إلى الجانب الروسي».