أنا رجل كثير السفر، حتى أني أصبحت أتعامل مع الطائرات كما أتعامل مع سيارات الأجرة!

ولهذا السبب بتُ أمتلك الكثير من حقائب السفر بأحجام وألوان وأشكال مختلفة، حتى أصبحت مستعداً بشكل ممتاز لأن أفتتح متجراً لبيع حقائب السفر ذات الاستعمال الخفيف والجودة العالية!

اليوم كثرت شركات الطيران الحكومية والخاصة في جميع أنحاء العالم، وأيضاً تكاثرت شركات حجوزات الطيران بشكل مُلاحظ، حتى أن عددها أصبح يُنافس أعداد الدكاكين والصيدليات التي تجدها في العديد من الشوارع والمجمعات التجارية، وهذا التكاثر ساهم كثيراً في تيسير وتسهيل حركة السفر، حيث جعل فُرص السفر متاحة بشكل أكبر للكثيرين بخلاف الزمن السابق.

يقول عمنا المتنبي:

‏على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي

‏أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً

المُسافر الذي ينتظر موعد إقلاع الطائرة يكون بالعادة على قلق، وسيبقى على قلق ما دام هو على مقاعد الانتظار في صالات المطارات، وسيظل ذلك القلق يعتريه فكرياً وجسدياً إلى أن يجتاز إلى بوابة الدخول للطائرة ويجلس على المقعد.

بمناسبة الطائرة والمقاعد... أُبغض جداً تلك اللحظات السخيفة التي يزدحم فيها الكثير من رُكاب الطائرة عند انتهاء رحلتها بسبب وقوفهم الغوغائي قبيل فتح باب الطائرة للنزول منها!

وتكون تلك اللحظات عندي أشد بُغضاً وأشد سخافة عندما يلعب أحد الرُكاب دور الأهبل! بحيث يأتي من المقاعد الخلفية للطائرة ويقوم باجتياز العديد من مقاعد الرُكاب الآخرين بكل وقاحة طبع وصفاقة وجه، ليكون في مقدمة الواقفين المنتظرين لفتح باب الطائرة!

أكتب هذه السطور قبل موعد سفري إلى مدينة صلالة في سلطنة الحب عُمان بساعات، حيث أصبح لزاماً عليّ في هذا الوقت بالتحديد أن أقتطع أسبوعاً من عُمري أهرب به بعيداً عن ضغوطات العمل وملفات القضايا التي لا تنقطع ولا تهدأ ولا تبرد، كأنها ذلك الشريط المتحرّك الذي يكون في أسفل القنوات الإخبارية!

وكذلك إخترتُ أن أهرب بنفسي بعيداً عن الضغوطات النفسية التي تتراكم في صدورنا في كل يوم بلا رحمة وبلا مروءة وبلا حتى إنسانية!

واخترت أيضاً أن أهرب من الانشغال والإرهاق الذهني والمالي الذي سبّبه لي بناء منزلي في مدينة المطلاع، حيث إن الشخص الذي يبني منزلاً يكون على مدار 24 ساعة يعيش في أمنيات وتطلعات ومخاوف وتساؤلات وحيرة وقلق!

اعتدت منذ سنوات أن أتوجه إلى صلالة في كل عام مرّة أو مرتين في الفترة التي هي من منتصف شهر أغسطس إلى أواخر شهر سبتمبر، الفترة التي تكون فيها عموم ظفار خضراء غنّاء يلازمها المطر الرذاذ وجريان مياه الشلالات والعيون والأنهار، وعلى الرغم من أني سافرت كثيراً غرباً وشرقاً إلا أني أجد الراحة الأكبر والاسترخاء الأكثر عندما أكون في أحد منتجعات صلالة، وذلك بسبب روعة أهلها المحترمين وبسبب تلك الأجواء الخيالية والهدوء والانتعاش الروحي الذي تمنحنا إياه صلالة وأنا في ربوعها.

حفظ الله عُمان وأهل عُمان، وحفظ الله سُلطانها المبجّل هيثم بن طارق، وجعل السلطنة بأمن وأمان وازدهار.