مَن عاشر الصّالحين صار منهم ولو بعد حين، وكذلك من عاشر السيئين، وهي حكمة متداولة حيث يقال: (من عاشر قوماً صار منهم) وهي واقع يعيشه الإنسان ويشعر به عندما يعاشر جماعة، أو يرافق صحبة فيميل إلى أطباعهم ويشاركهم في هواياتهم وأنشطتهم، هي حقيقة ولكن هل هي ثابتة في الحياة ومع كل إنسان؟!

العاقل هو مَن يميّز الناس بعقله لا بمشاعره، فلا يسير معهم إلّا إذا تيقن من فكرهم؛ فإن كان فكرهم سليماً أكمل طريقه معهم، ومِن الناس من يبدو لك صلاحه، وتعلَم مع الأيام أنه يظهر بصورة تخفي خباياه وانحرافه الفكري! فهل تبتعد بمجرد اكتشاف حقيقته؟!

إن كنت على يقين من قوتك الشخصية وعدم تأثرك بأفكارهم الشاذة وأنك لن تكون تابعاً لهم، فإنك تبقى فترة مع الحذر من أساليبهم الجذّابة المتصنّعة والتيقن من عدم ضررهم؛ فلعلك تكون مُعلّماً لهم، وكذلك لتتعلم صورة غابت عنك، فإن معرفة خباياهم وأفكارهم وأساليبهم تجعلك خبيراً بمن تعيش معهم في هذه الحياة، مع الثبات طبعاً على مبادئك، فهي فترة موقتة تطور الفكر وتحرك العقل.

من عاشر تلك الفئة تعلّم أصناف الناس، وميّز الآراء الصحيحة من القبيحة، فإنك تكتسب من معاشرتهم وصحبتهم دروساً تُعلّمك الحياة.

الظلام والجهل الذي طغى على تلك الفئات، ونشرهم لأفكارهم الهدّامة أضاع شباباً في بداية طريقهم؛ فالشاب يظن أنه بين أهل الأخلاق والقيم والعلم الصحيح، ويبدأ بالاستماع والتأييد مع الشعور بالطمأنينة، والصدمة عندما يعرف أنه كان مغشوشاً، قد تكون ردة فعل البعض الانحراف وهو واقع ملموس، وقد يصعب عليك الصد عنهم.

ومع جهاد النفس ترحل عنهم، وتعود إلى مبادئك الفطرية السوية، وتتعلم حقائق غابت عنك، وتسير في طريق الصلاح والنجاح مع صحبة صادقة، حتى لو كان الصاحب واحداً فقط، وبالفعل الإنسان كلما زاد عمره زادت خبرته وقلت صحبته، لا يظل معه إلا الإنسان الصادق الذي ينصحه، ويصاحبه في المسرّات والمضرّات، ويسعد لسعادته ويحزن لحزنه.

قد تحمل تلك السطور صورة مصغّرة لمرحلة كبيرة من العمر تمزّقت فيها روح إنسان، صورة لا تسعها ورقات ومذكرات، ومهما كانت شديدة فإنها نعمة عظيمة؛ لأنّك تعلّمت وابتعدْت.

aalsenan@hotmail.com

aaalsenan @