بعد أن تحقّق للحزب النازي الألماني الفوز الساحق في الانتخابات البرلمانية وحصول الحزب على معظم مقاعد البرلمان وكان الفضل بذلك للعقل المدبر لرئيس الجناح السياسي للحزب أدولف هتلر، الذي أيقن أنه قاب قوسين أو أدنى من غايته بأن يتولى منصب المستشار الألماني والذي تحقق بالفعل في أواخر شهر يناير 1933، وبهذا أصبح هتلر، هو الرجل الثاني بالدولة. وفي حقيقة الأمر إنه منصبٌ مشترك بين قادة الحزب النازي ولا يستطيع أن يقرر أمراً أو يصدر قانوناً دون الرجوع للحزب ومشاورتهم في ما يستجد عليه من أمور. وهذا ما لا يُريدهُ هتلر، فقد كانت النفس الديكتاتورية التي يحملها تطمح إلى أن يكون هو المتفرد الوحيد بالقرارات، وألا تعلو كلمةٌ فوق كلمته وحتى وإن كان رئيس المكتب السياسي في الحزب، إلا أن هذا ليس بكافٍ لإشباع ديكتاتوريته حيث يلزم عليه الاستحواذ كذلك على الجناح العسكري للحزب والذي كان يمثله ويترأسه رفيق سلاحه ودربه الجنرال أرنست روم، والقائد الأعلى لكتيبة العاصفة والتي يبلغ تعداد جندها مليوني جندي وقد عُرف قائدها أرنست، بدمويته ووحشيته التي تفوق دموية ووحشية هتلر، بكثير. ومن هنا بدأ هتلر، جديّاً بالتخطيط لعملية الانقلاب الداخلي في حزبه.

ما قبل ليلة السكاكين

انتشرت بعض الإشاعات التي مفادها أن الزعيمين هتلر وأرنست، ليسا على وفاق، وأن بينهما خلافات كبيرة من الممكن أن تساهم في تفكك الحزب... ما اضطر هتلر، لتهدئة الأوضاع وأن يكتب هذه الرسالة إلى أرنست، قبل حادثة ليلة السكاكين الطويلة بأيام قليلة وكان نصها:

«صديقي العزيز أرنست عندما هاتفتك اليوم في مكتبك الخاص، كان تنظيمك (كتيبة العاصفة) يعيش ظروفاً صعبة للغاية. ولك الفضل صديقي في جعل هذا التنظيم وهذه الآلية العسكرية تتحول في بضع سنوات إلى القوة الأولى التي مكنتني شخصياً من كسب معركة السلطة... ويبدو لي أني جديرٌ بأن أشكرك على كل الخدمات الجليلة التي أسديتها في خدمة مشروعنا الوطني (الاشتراكي) وللشعب الألماني قاطبة. ولتعلم أنني مدين لك بذلك ومجبر على توشيحك بصفة رفيق الدرب والسلاح - صديقك هتلر».

ليلة السكاكين الطويلة

في 29 يونيو 1934، في مقاطعة باد فيسزيه، جنوب ميونخ، وتحديداً في فندق «هانسل باور»، دعا المستشار الألماني أدولف هتلر، جميع ضباط وقادة الحزب النازي وعلى رأسهم الأب الروحي العسكري للحزب الجنرال أرنست روم، لاجتماعٍ طارئ ولاتخاذ قرارات حاسمة في ما استجد من أحداث... وبالفعل وكما خُطّطَ له حضر جميع الضباط والقادة المدعوين وكان عددهم يقارب الـ 85 شخصية ولم يتغيب عن الحضور إلّا الداعي لهذا الاجتماع والعقل المدبر وهو هتلر، الذي تغيّب متعمداً حيث كان هدفه أن يَحصِرهم جميعاً في مكان واحد. ونتيجة لغياب هتلر، فإن الاجتماع لم يعقد وذهب كلُّ شخصٍ لغرفته المخصصة له.

وفي صبيحة اليوم التالي في تمام الساعة الـ7 صباحاً دخلت الفندق فرقة القوات الخاصة التابعة للحزب النازي والمعروفة اختصاراً بقوات الـ «إس إس»، واقتحمت كل الغرف واعتقلت جميع القادة والضباط. وكان على رأس قائمة الاعتقالات القائد النازي أرنست روم، حيثُ لفّقت ووجهت لهم تهمة الخيانة العظمى والتآمر والتخابر مع فرنسا ضد ألمانيا، ونُفّذت الإعدامات من دون محاكمات في حق جميع القادة والضباط في اليوم التالي من عملية الاعتقالات، وأول من نُفذ به الإعدام الجنرال أرنست روم.

وبهذا أعاد هتلر، تشكيل الهيكل القيادي التنظيمي العسكري لكتيبة العاصفة.

وتشاء الأقدار وبعد شهر واحد أن يتوفى الرئيس الألماني أحد أركان الحرب العالمية الأولى فون هندنبورغ، ولا أعلم إن كان هذا من حُسن حظ هتلر، أم أن سكيناً طويلة دُبّرت له.

وهكذا استتبت العوامل جميعها لـ النازي هتلر، فأصبح رئيساً لألمانيا وليطلق على نفسه لقب «فوهرر الرايخ»، جامعاً بهذا اللقب الجديد صلاحيات الرئيس والمستشار بآنٍ واحد، إضافة الى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الألمانية وزعيم الحزب النازي بجناحيه السياسي والعسكري.

لم يكتفِ «الفوهرر» الجديد بهذا كله... بل قاده جنون عظمته لسيادة العالم وتوسيع جغرافية سُلطته وكان بهذا حتفه وهلاكه عام 1945.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com