الديبلوماسية لا تعني الخنوع والخضوع والرضوخ دوماً...

الديبلوماسية هي أن تعرف نقاط قوتك ونقاط ضعفك... فتعرف متى تُصعّد ومتى تُهدئ... متى وماذا تستخدم من أدواتك المتاحة... وهذا ما يكفل لك مساحة تفاوضية جيدة تُحقق لك الكثير من أهدافك العاجلة والمرحلية، فالديبلوماسية إذاً وسيلة مهذّبة لاكتساب المزيد من القوة والمصالح وليس العكس.

ما نلاحظه منذ سنوات، أن العلاقة مع الفيلبين تخضع لاضطرابات، وغالباً ما تكون الكويت هي الطرف الأضعف، وكأن لدى مَنْ يُمثلوننا شعوراً بالذنب تجاههم! فصارت عقودهم عقود إذعان من قبلنا لصالحهم، فرضوا شروطهم ولم نفرض شروطاً، فرضوا إرادتهم ونحن سلبنا إرادتنا بأنفسنا قبالتهم، تمدّدت قوتهم وقوة عمالتهم وصاروا ليل نهار يُهددوننا بوقف عمالتهم حتى صار الأمر كما الـ«بعبع» أو الفزّاعة!... بينما عمالتهم في بيوتنا وأعمالنا تسعد بفرض شروطها علينا من دون ضمان لحقوقنا ككفلاء.

لو كنت مسؤولاً...

لقطعت العلاقات مع مانيلا وأنهيت كل عقود عمالتهم ووفّرت البدائل المتاحة بأسرع وقت بدلاً من إضاعة وقتي والتزلف لممثليهم وديبلوماسييهم.

ليس معقولاً كلما وقع حادث فردي أن تلجأ مانيلا إلى تحميل كل الكويت وكل الكويتيين المسؤولية... وتصورنا وكأننا وحوش نعيش في غابة ونفترس العمالة الوافدة يومياً، وهذا غير صحيح أبداً... فنحن مَنْ يتم افتراس حقوقنا وجيوبنا ووقتنا وصبرنا وأعصابنا، ونحن مَنْ نرضخ لكل طلباتهم في ظل مفاوض ضعيف يُمثلنا، حتى صار أكبر رأس ديبلوماسي لدينا يجلس مع صغار موظفيهم ليطيب خاطرهم عن جريمة بشعة (لا نُنكر ذلك أبداً) ولكنها فردية، وتحدث لدينا ولدى غيرنا من الدول، بل وتحدث لديهم في بيوت الصفيح يومياً عشرات ومئات الجرائم الأنكى والأسوأ.

نحن لا ندافع عن مجرم كويتي أبداً، بل نطلب مجازاته ومجازاة أيّ مجرم أو متطاول وردعه بأقسى العقوبات وردع أمثاله به، وهذا ما يضطلع به قضاء الكويت العادل الذي يقتص للمظلوم أيّاً كانت جنسيته ومكانته من الظالم أيّاً كانت جنسيته ومكانته. ولكننا نطلب في الوقت ذاته من ديبلوماسيتنا ألّا تكون ديبلوماسية ماسوخية تعشق جلد الذات وإيذاء النفس وتتلذذ بتعذيب الآخرين لها.

معالي وزير الخارجية

امتدحناك عندما حفظت لنا كرامتنا في ابتزاز «الشنغن»... واليوم ننتقدك وننتقد ضعف ردود فعل وزارتك تجاه الطغيان الذي نواجهه في العلاقة مع الفيلبين.

الحسم والقوة مطلوبان حتى لو بلغ الأمر قطع العلاقات، اقطع العلاقات ولا تخف، جرّب الديبلوماسية السعودية وانظر إلى النتيجة، اعرف قيمة نفسك وقيمة بلدك ونقاط قوتها، ولا تُفرّط في حقوق الكويت وأهلها، واحفظ لنا كرامتنا المنتهكة من قِبل العمالة الأجنبية في بلادنا.

الكويت بلد جاذب للعمالة ولكل شريف باحث عن لقمة شريفة، ولو فتحت حدودنا لجاءت الملايين باحثة عن ملاذ آمن وعيش كريم لدينا، ونحن لدينا اليوم عشرات، بل مئات الآلاف من عمالتهم، والغالبية العظمى منهم ذكوراً وإناثاً ينعمون بكل المزايا المادية والمعنوية والإنسانية والتطبيبية، وكذا ينعمون بالاحترام والتقدير.

وأكاد أجزم أن الكويت من أفضل دول المنطقة وجزء كبير من العالم في احترام حقوق الإنسان، ولا أظن أن بلداً فيه هذا الكم من العمالة الأجنبية بالقياس إلى عدد مواطنيه وتخلو الأمور من حادث فردي هنا أو هناك!.

لكن...

من الواضح أنهم اختارونا لنكون طوفتهم الهبيطة، فتجدنا صرنا تارة مادة انتخابية لهم، وتارة لإيصال رسائلهم في المنطقة، فنكون نحن تجربتهم لتحسين شروطهم عند الآخرين، ونجحوا لدينا ومازالوا ينجحون ويُحسّنون ظروف عملهم، ويطوّرون عقود عمالتهم... حتى بات المستخدم الكويتي غير قادر على ضبط عمالة بيته أو متجره، وسيمتد الأمر ليشمل الجنسيات الأخرى كذلك إن سمحنا لهم بالتمادي في فرض الشروط علينا إلى درجة الإذعان والخنوع.

أخي الكريم وزير الخارجية الشيخ سالم الصباح... احفظ لنا كرامتنا ولا تجعلنا طوفة هبيطة... ومَنْ لا تُعجبه الكويت ليسحب عمالته كلها غير مأسوف عليه ولا على مَنْ يتعاطف معه... ومثلما امتدحناك في مواجهتك لابتزاز «الشنغن»، نحن ننتقدك اليوم ونقسو عليك إن لزم لتتخطى ونتخطى معك هذا الابتزاز المزعج.

ودُمتَ سالماً.