يقال إن الإنسان عدو ما يجهل، واكاد أجزم أن السواد الأعظم فينا كبشر جهّال في التكنولوجيا الحديثة، ليس لأننا لا نتعلم ولكن لأننا غير قادرين على مجاراة هذا التدفق المعلوماتي وهذه التقنيات التي تتطور وتحدث قفزات يصعب علينا كأشخاص عاديين وغير متخصصين مجاراتها، حتى أن هذه التكنولوجيا بخوارزمياتها سيطرت علينا وصرنا أسرى لبرامج تتبع خصوصياتنا ونحن غير مدركين أحياناً، وأحايين أخرى نعلم بانتهاكات الخصوصية التي تمارس ضدنا ولكن بكل رضى وابتسامة نختار زر موافق ( I agree).

تابعت يوم السبت الماضي مؤتمر الكويت الرابع لمكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي نظمه الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع وزارة الداخلية، وبالرغم من أن المؤتمر كان يهدف إلى التوعية والتنبيه من المخاطر والتحديات السيبرانية التي تواجه دولة الكويت إلا أنه كان بمثابة العلاج التوعوي بالصدمة بعد أن عرض ارقاماً كبيرة خطيرة وصلت إلى 4 آلاف شكوى جرائم الكترونية استقبلتها وزارة الداخلية خلال عام، واستند المؤتمر على دراسات بعض الإحصائيات الأجنبية تفيد بأن نحو 10 في المئة فقط ممن يقعون ضحية الجرائم الإلكترونية، يسجلون تلك الحوادث أو يصرحون بها، بمعنى أن هناك قرابة 36 ألف شكوى واقعياً لم تصل إلى المحاكم لأسباب عديدة!

لم تمض ساعات على نهاية المؤتمر حتى خرجت النيابة العامة ببيان أعلنت فيه عن تلقيها عدداً كبيراً من الشكاوى تجاوزت 300 شكوى في فترة قصيرة، تعرض مقدموها للنصب والاحتيال الإلكتروني من قِبل تنظيم عصابي يوهم الضحايا باستثمار أموالهم، ويدعوهم إلى تحميل تطبيق (AnyDesk ) الذي يمكنه التحكم بأجهزتهم النقالة والدخول إلى حساباتهم البنكية وتحويل ما بها من مبالغ نقدية والاستيلاء عليها.

المخاطر والتحديات السيبرانية التي تواجه الكويت، لن تتوقف في ظل التطور التكنولوجي المستمر وخطرها لا يقتصر على النصب والاحتيال وبرامج الفدية، وانما اضرارها تصل إلى تدمير البنية التحتية الإلكترونية وتعطيل الأنظمة الرقمية أو سرقة بيانات المؤسسات العامة والخاصة، ولذلك يجب أن نتوقف عند هذه الأرقام والبيانات ولا نتجاوزها دون موقف جاد.

ولذلك، مثل هذه التحديات تتعلق بأمن وسيادة الدولة فلا يجب تجاهلها وعدم اعتبارها أولوية قصوى، وبالتالي أحد الحلول التي تم طرحها بالمؤتمر ضرورة إنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني تتضافر فيه جهود ومؤسسات الدولة لمواجهة هذه التحديات، وباعتقادي أن الخطوة المهمة ايضاً هي اعادة النظر في مناهج مادة الحاسب الآلي في وزارة التربية، فليس من المعقول أنه في ظل هذه الثورة التكنولوجية وهذه المخاطر ووسط سطوة الاجهزة والساعات الذكية والبرامج التكنولوجية التي توازي بامكاناتها وقدراتها وسلطتها دولاً، لا نزال ندرس طلابنا ابجديات الكمبيوتر القديم في المدارس وبعض البرامج التي قد لا يستخدمها في حياته.