سطّرت الحكومة والمعارضة خلال مسيرتهما الطويلة صفحات سوداء في تاريخ العمل النيابي، وأخرى بيضاء لنكون منصفين،

وما زلنا إلى يومنا هذا نرى هذا التقلب في المواقف تبعاً للمصالح لا القيم والمبادئ!

وتوجيه السهام المعارضة بكل اتجاه وإن بدا واضحاً استهداف رئاسة الوزراء، أو مجلس الأمة، حيث تنبأ بها الدستور مبكراً وأطلق عليها وصفاً يليق بها (حرباً لا هوادة فيها بين الأحزاب)، إلا ان المستغرب فعلاً توجيه التهم والتراشق بالألفاظ لإصابة رفقاء الدرب (نيران صديقة) الذين حملتهم صناديق الاقتراع إلى قاعة عبدالله السالم، وأقسموا بالله جهد أيمانهم على العمل بالأمانة والصدق، لحفظ مصالح الوطن، لا مصالحهم، وفي خضم الزوبعة التي شهدناها في الحرب الإعلامية بين الكتل أخيراً ضاعت البرامج والمبادئ لكل كتلة وأصبحت نسياً منسياً!

... وتالياً ضاعت هُموم المواطن!

وكم كنت أتمنى وما زلت أن تخرج لنا إحدى هذه الكتل - وما أكثرها - ان كان بقي عندها شيء لتعلن مبادئها التي لا تحيد عنها، وتعمل على هذا الأساس الشرعي والأخلاقي والدستوري بروح الفريق الواحد، ولكن الواقع لا يسعفنا، فالتجارة بالوطنية هي السائدة، والمزايدات هي لغة الحوار، والتشفي والفضائح أصبح ميداناً فسيحاً للمسابقة وتسجيل النقاط، حتى أصبح الشعب الكويتي يتمنّى فعلاً إصلاح السياسيين لأنفسهم قبل إصلاحهم للحكومة، ولكن - الشق عود- كما يقال.

وإذا كانت الحكومة - تنقل صوابها - بما لها من صلاحيات كفلها الدستور، ولما لها من ملاءة مالية ومكانة اجتماعية عالية لمنصب الوزير وحصانة في مقابل فضائح تلاحق بعض النواب، الأمر الذي يستحيل معه استمرار التعاون المنشود كما رسمه الدستور بينهما، كما نجد أن الدستور لم يقيد استعمال الحكومة لحق الحل بأي قيد زمني كما فعلت بعض الدساتير البرلمانية اكتفاء بالقيد التقليدي الذي يفيد بأنه إذا حُل المجلس لا يجوز حله لذات الأسباب مرة أخرى، وإذا رجعنا للقاموس السياسي الحكومي وبحثنا في تعداد أسباب الحل نجد أنها تصل بالملايين بمعنى أننا أمام مخزون استراتيجي واستمرار دائم لحل المجلس، إذا لم يعدّل مساره!

وأصبح الحل فزاعة مثل - خيال مآته - منصوبة في قاعة عبدالله السالم.

وبما أنّ الدستور نص على دين الدولة الإسلام، نجد أنه يأمرنا بقوله (ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، بالأخص الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفاً بالأذى والفساد. وأما المعروف بالفساد فلا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى السلطات المختصة، ويمارس العضو كامل صلاحياته بالسؤال ثم التحقيق ثم الاستجواب، لأن الستر على هذا وأمثاله يطمعه في الإيذاء، والاستمرار والفساد، وانتهاك المحرمات، ويجعل غيره يجرأ على مثل فعله.

أما مسألة معصية شخص يراه عليها وهو متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها، ولا يحل تأخيرها. وأما المسؤولون وأصحاب المناصب الإشرافية فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة التي كفلها الدستور وهي الأخذ على يديه.

كما دعانا الشرع الحكيم بدعوة صريحة إلى التجاوز عن العورات والستر على أصحاب المعاصي والسيئات، وجعل ذلك من الأخلاقيات الطيبة التي ينبغي أن يتحلّى بها المسلم، فالله تعالى لايحب أن يجاهر الإنسان بكلام السوء ولا بإشاعة السوء، قال تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)، أمَّا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو خَيْر الخلق وأَعْرفُ الخلق بالله، ونتمنى أن يكون قدوة للحكومة والمجلس، فقد كان عظيمَ الحياء، عفيفَ اللسان، بعيداً عن كشف العورات، حريصاً على كَتْم المعائب والزلّات، كان إذا رأى شيئًا يُنكره ويكرهُه، عرَّض بأصحابه وألمح، وقال للناس: (ما بالُ أقوام يقولون كذا وكذا)، (ما بالً أقوام يفعلون كذا وكذا). ومع ذلك كان يحاسب الولاة ويشدّد عليهم.

وأما أسلوب تتبع عورات الناس وفضحهم بنشر الرذيلة بين العباد، وسعياً لإشاعة الفاحشة بينهم لإسقاطه سياسياً، فهو ما حذّرنا الله تعالى منه، قال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»،

الخلاصة:

الستر زين، ولو عملت به الحكومة والمعارضة لانخفضت حدّة التوتر النفسي وعاد الصفاء والزمن الجميل.