ربما لم يسعدني الحظ بلقاءات كثيرة مع صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، طوال سنوات عملي في المجال الإعلامي الممتدة لأكثر من ثلاثين عاماً.

ولكنني بالتأكيد كنت سعيد الحظ بلقاءات ربما تبدو صغيرة عابرة، ولكنها كانت مؤثرة جداً وتركت لديّ انطباعاً واضحاً عاش معي لسنوات طوال، انطباع لم يخطئ وكلما مرت الأيام والسنون ثبتت لي سلامته.

أهم تلك اللقاءات كان في منتصف شهر يناير من سنة 2005، عندما ادلهمت خطوب الإرهاب وضربت كثيراً في المنطقة، وأصابتنا بعض ضرباتها في الكويت التي تقع بحكم موقعها الجغرافي وبحكم مركزها المالي، وبحكم قيمتها العروبية، وأهميتها الإنسانية في قلب الحدث. فلا يمر أي خطب كبير من أي نوع إلا وللكويت فيه أو منه نصيب.

في ذلك اليوم من تلك السنة دار حديث عن هروب إرهابيين من مطاردة خطيرة تخللتها مطاردات فرعية وإطلاق نيران، ووصولهم إلى منطقة «أم الهيمان».

الحالة العامة في ذلك اليوم كانت كالتالي: قلقٌ شديد...

مطاردات...

إطلاق نار...

تطويق أمني...

تفتيش منازل...

إجراءات احترازية في كل مكان... سواء في دخول المدارس أو الأسواق والمجمعات والأماكن الهامة والرسمية وأماكن التجمعات.

صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله ورعاه، الشيخ نواف الأحمد الصباح كان آنذاك النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.

في ذلك اليوم العصيب الذي أعقب أزمة أمنية في محافظة حولي تخللتها عمليات إطلاق نيران وسقوط قتلى، في ذلك اليوم دفعني فضولي الصحافي للتوجه إلى منطقة أم الهيمان (المسماة أيضا ضاحية علي الصباح)، بحثاً عن الخبر من جهة، ورغبة في الاطلاع المباشر على ما يحدث هناك، وهو حدث نادر الوقوع - ولله الحمد- في بلد مثل الكويت عُرِفَ على مر الزمان بأنه واحة أمن وأمان، سياسته السلم والسلام، كان دوماً ومازال ملجأ لكل من شكا ضيم الزمان.

جلست خلف مقود سيارتي ويممت وجهي شطر الجنوب متجهاً إلى أم الهيمان، دخلت المنطقة فإذا بالجو العام ملبد بالتوتر، المنطقة تملؤها سيارات الأمن، الشوارع تخلو من المارة رغم الطقس الشتوي الجميل، طرق كثيرة مغلقة، فتنقلت من شارع إلى شارع حتى وصلت إلى موقع لم يسمح لي بالمرور بعده، أوقفت سيارتي جانباً وترجلت منها ذاهباً إلى حيث يتزايد رجال الأمن والعشرات من الصحافيين الكويتيين والعرب وبعض من كانوا يغطون الحدث لجهات إعلامية أجنبية.

هناك، سألت عن سبب التجمع في هذا المكان تحديداً، فإذا بالاجابة تصلني بأن الشيخ نواف -حفظه الله- متواجد هنا، ميدانياً، في موقع المواجهة.

اقتربت أكثر وأكثر من المكان، وكلما جوبهت بالمنع الأمني استعنت بهويتي الصحافية، علمت أن إرهابيين كانوا هناك، هناك من يتوارى عن الأنظار، والخلايا الأمنية تبحث وترصد وتدقق للبحث، كان الحذر شديداً والترقب أشد ولا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يحدث فجأة.

وصلت إلى البيت الذي اتخذه الشيخ نواف الأحمد مركزاً لقيادة العمليات في أم الهيمان، انتظرت لفترة من الزمن، فجأة فُتِحَ باب الديوانية المطلة على الشارع، وخرج لنا الشيخ.

توقف برهة من الزمن، وجال بنظره نحو عشرات المنتظرين، نظرته كانت هادئة جدا ولا يبدو عليها أي توتر أو قلق، توجه نحونا بثقة شديدة، ونحن اندفعنا لا إرادياً وعددنا يقدر بالعشرات نحو سموه لنوجه الأسئلة والاستفسارات ونعرف ما الذي يحدث بالضبط! بالتوازي مع اندفاعنا باتجاه سموه، اندفع عدد من رجال الأمن نحونا، بعضهم كان بملابس عسكرية، وبعضهم كان بملابس رياضية، هدفهم كان منعنا من الاقتراب أكثر من الشيخ نواف، فالوضع خطير ومن المحتمل أن يتواجد إرهابيون في أي مكان... حتى بيننا! في هذه اللحظة التي خرج فيها سموه من الباب إلينا ونحن في هذه الظروف، لا إرادياً عيني توجه بصرها إلى عين الشيخ نواف، أحاول قراءتها، فإذا بنظرته تحمل ذات الهدوء والثبات الذي نعرفه عنه، أشار بيديه إلى رجال الأمن المحيطين به وبنا... ليتركونا نقترب، وهم يبتعدون.

استجاب العسكريون على الفور لإيماءته، فهي أمر عسكري وإن لم ينطق به، ثم نظر نحونا نظرة هادئة وارتسمت على وجهه شبه ابتسامة انعكست علينا على الفور.

اقتربت من الشيخ نواف أكثر فأكثر حتى كانت المسافة الفاصلة أقل من مترين، مارسنا دورنا كصحافيين بأريحية كاملة ووجهنا الأسئلة وسمعنا الإجابات. والحقيقة أن الإجابة الكبرى كانت ما رأيناه قبل أن نسمعه، وهي رسالة الثقة والاطمئنان والهدوء، رسالة عينيه وهدوئه التي تقول: لا تقلقوا... كل الأمور تحت السيطرة.

تلك التجربة وبعد كل السنوات التي مضت أثرها بقي في نفسي لا يزول كلما أردت الحديث عن الشيخ نواف، وكأنها حدثت البارحة وليس قبل نحو ستة عشر عاماً.

كنت دوماً أتساءل: هل مثل هذا الاقتراب متاح في دول أخرى؟ هل مثل هذه الأريحية والثقة موجودة في ظل مثل هذه الظروف الخطرة إذا ضربت بلداً آخر؟ الرسالة ذاتها والثقة ذاتها، مازلنا نقرأها اليوم في عيون صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح كلما وقعت خطوب حولنا، أو كلما واجهنا أزمات داخلية يفترض أن تكون مثيرة للقلق والتساؤلات.

هو دوماً الأب صاحب اليد الحانية الذي يحسن طمأنة أبنائه، وهو الحاكم الحاسم الذي نعرف مواقفه تجاه ما قد يهدد الأمن والأمان والاستقرار، ومثلما قال سموه قديماً بمواجهة الأزمات الأمنية: «إجراءاتنا صارمة تجاه كل من تسول له نفسه العبث في أمن الكويت»، نستشعر اليوم الكلمات ذاتها وإن لم يقلها، ونقرأ في عينيه رسائل الطمأنة ذاتها التي أزالت عنا القلق قديماً... وتزيله اليوم وتبدده إن شاء الله.

ولنا- ونحن في الذكرى الأولى لجلوس الأمير نواف الأحمد- مَثَلٌ في الأزمة الخليجية التي سرعان ما استكمل سموه جهود أخيه الراحل الشيخ صباح الأحمد طيب الله ثراه فيها، واختتمها نجاحاً باهراً أنهى تلك الأزمة الأخطر التي مرت على مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وستكون لنا أمثلة أخرى قريباً في طي صفحات أخرى من القلق والترقب لنقرأ بعدها صفحات لاحقة على دروب تحقيق الآمال والطموحات الكثيرة لأبناء الكويت.

الشيخ نواف أميرنا حفظه الله ورعاه هو امتداد لكل عهود الخير والمحبة التي حافظت على الكويت حرة أبية مستقلة مستقرة آمنة مطمئنة، هذه العهود التي نقلت الأمانة من جيل إلى جيل ليظل العنوان المشترك بينها...

«الكويت واحة أمن وأمان..

الكويت أيقونة سِلْمٍ وسلام».

حفظ الله الكويت وشعبها وأميرها وولي عهدها من كل مكروه.