No Script

ببساطة

هل هو تحرك جدّي؟

تصغير
تكبير

نشرت «الراي» يوم الأحد الماضي خبراً على صفحتها الأولى تحت عنوان «تحرك لاسترداد المطلوبين من الخارج»، مفاد هذا الخبر أن مصادر مطلعة كشفت بأن السلطات المختصة تكثف جهودها لاسترداد المطلوبين الكويتيين الهاربين خارج البلاد، خصوصاً من صدرت بحقهم أحكاماً قضائية نهائية واجبة النفاذ، وأن هناك تنسيقاً قضائياً وأمنياً جرى لوضع الترتيبات الإجرائية لاسترداد المطلوبين من خلال إخطار الانتربول الدولي بأسمائهم لضبطهم وتسليمهم للكويت، وقد بينت تلك «المصادر» أن من بين أهم المطلوبين المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية وأعضاء «قروب الفنطاس» والمطلوبين في قضية دخول المجلس.
هذا التحرك الحكومي - إن صدقت المصادر المطلعة - يبدو بأنه تحرك إيجابي وجاد من الحكومة للقبض على من اعتدى على الأموال العامة وغيره من المجرمين الهاربين من العدالة، وهو تحرك قد طال انتظاره، خصوصاً وأن هناك من صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي في قضية اختلاسات الاستثمارات الخارجية واستثمارات لندن التي تقدر بمئتي وأربعين مليون دولار من المال العام، لكن يبدو أن - المصادر المطلعة - قد نست أو تناست إدراج أسماء هؤلاء المختلسين الهاربين في خبرها، لكنني سأقدم حسن النية وأفترض نسيانها لتلك القضية القديمة، وأكتفي بتذكيرها بأن هناك من يتمتع بأموال الشعب المسروقة منذ بداية التسعينات وحتى يومنا هذا دون أن تحرك حكومتنا ساكناً.
الشاهد في الأمر أن هناك العديد من التساؤلات التي عصفت في ذهني بعد قراءة هذا الخبر، فما هو السبب وراء هذا التحرك الحكومي «الجدّي» لاسترداد المطلوبين في هذا التوقيت؟ ولماذا لم تتحرك الحكومة بمثل هذه «الجدية» لاسترداد المطلوبين في قضية اختلاس الاستثمارات الخارجية، وهي القضية التي مر عليها أكثر من خمس وعشرين سنة؟ وهل ستكون التحركات بمستوى «الجدية» نفسه في استرداد جميع المطلوبين، أم سيكون هناك تباين في التعامل حسب القضية؟


هذه التساؤلات والعديد غيرها ليست تساؤلات عبثية، بل هي تساؤلات جوهرية، فالحكومة تساهلت مع العديد من الهاربين المطلوبين في قضايا اختلاس الأموال العامة ولم تتحرك لاستردادهم واسترجاع تلك الأموال طوال تلك السنوات، بينما صحت فجأة وتذكرت «بعضهم» بعد صدور أحكام قضية دخول المجلس، وتحديداً مع التحركات المطالبة بإقرار قانون للعفو الشامل في قضايا الرأي والتجمعات، لذلك أجد هذا التحرك مثيراً للجدل والاستغراب على الرغم من قناعتي بأهميته، فالأصل هو أن تقوم الحكومة بمثل هذا التحرك مع جميع الهاربين، ومنذ هروب أول شخص مطلوب في قضايا صدرت بها أحكام نهائية، لا أن تتحرك حسب المزاج... فحتى الجاهل بالأمور السياسية سيستنتج أن هذا التحرك قد جاء بهذا التوقيت بالذات لاسترداد المطلوبين في قضية دخول المجلس أو المغردين، بينما كبار «الحرامية» سيسرحون ويمرحون في ربوع بريطانيا وسويسرا وغيرهما من الدول دون حسيب أو رقيب، وبالتأكيد لن تطولهم الحكومة ولا الانتربول!
ذلك الاستنتاج - المؤسف- لم يكن ليصل له المواطن البسيط لو أن حكومتنا تعاملت مع الجميع وفق مبادئ العدل والمساواة، ولم يكن ليثير التساؤلات لو أن حكومتنا لم تلعب على وتر التفرقة بين أبناء المجتمع طوال تلك السنوات، وبالتأكيد لم يكن ليخطر على بال أحد لو أن حكومتنا رسخت مبدأ المواطنة الدستورية المتساوية، ولم يكن هناك مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية، لكنها هي من أوصلتنا لتلك الاستنتاجات بانتهاجها سياسة الكيل بمكيالين.
في الختام، أتمنى أن يكون هذا التحرك لاسترداد جميع المطلوبين الهاربين جدياً، وانه جاء بسبب صحوة الحكومة من سباتها العميق ورغبتها بالعمل الجاد، وسيكون من المقنع بالنسبة للجميع أن تبدأ باسترداد المطلوبين حسب الأقدمية، فتبدأ بالمطلوبين في قضية الاستثمارات الخارجية واستثمارات لندن، مروراً بمدير التأمينات، وتنتهي بمحكومي القضايا السياسية، عندها سأخصص مقالاً كاملاً للاعتذار منها على سوء النية والاشادة بها وبتحركاتها «الجدية»!

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي