No Script

من زاوية أخرى

الكويت والأمطار... «تسونامي» طبيعي وحكومي!

تصغير
تكبير

بعيداً عن أي مزايدات، أو تصيّد المواقف في الأزمات، نتناول أزمة الأمطار التي هطلت على الكويت خلال الأيام الماضية، منذ فجر الثلاثاء الماضي وحتى أمس، حيث نلقي الضوء على القضية من أبعادها المختلفة، لتشكيل تصور عام عنها، من دون العمل على تبرئة جهة واتهام أخرى، أو التنظير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، لأن المسألة ليست ميدانا لتسجيل المواقف والأهداف في مرمى هذا الطرف أو ذاك.
فمنذ أمطار فجر الثلاثاء الماضي، مروراً بكارثة مساء الجمعة، تابعنا إجراءات حكومية حازمة وحاسمة في مسألة معاقبة المتسببين عن حدوث الفيضانات وغرق الشوارع والسيارات، وتضرر البيوت والممتلكات، فأقيل من أقيل وأحيل للتقاعد أو للتحقيق من أحيل، فكان «تسونامي» المطر الذي أغرق الشوارع والبيوت، ودمر الممتلكات، مخلفاً شهيداً غرق عند محاولته إنقاذ أهله، وتسونامي الحكومة الذي أطاح بقيادات في وزارة الأشغال، ثم اقتصّ الوزير حسام الرومي الحق من نفسه فقدم استقالته، ثم جاءت ردود الأفعال، ولا سيما ممن طالتهم القرارات، وأصبحت القضية مثل كرة الثلج يلقيها كل طرف على الآخر، من دون الوصول إلى نتيجة حقيقية في تحديد جوانب القصور والمقصر، في ما فسره مراقبون أن كل أزمة تحل في الكويت لا بد من «كبش فداء» يقدم قربانا لها حتى «تعدّي»، وهذا الذي تابعناه بإقالة مدير هيئة الطرق، وإحالة وكيلة وزارة الشؤون للتقاعد بعدم التجديد لها، فيما كان مصير وكيلين في الوزارة الوقف عن العمل والتحويل إلى التحقيق، لتفرغ الوزارة من قيادييها، في عز الأزمة، وهو تصرف بعيد عن الحكمة والصواب، وكان يجدر الانتظار ليمارس هؤلاء عملهم في معالجة تداعيات الأمطار، ثم يكون الحساب.
وبعد يومين من أمطار الثلاثاء، أعلنت الحكومة «النفير» تحسبا لأمطار السبت وفجر الأحد، واستنفرت كل الوزارات والجهات ذات الصلة بالأمر، خوفاً من تسونامي جديد أكثر قوة مما حدث فجر الثلاثاء، ولكن الطبيعة استبقت توقعات السبت والأحد بأمطار جارفة بعد ظهيرة الجمعة، ليكون وقعها أشد وأكثر إيلاماً من حيث الخسائر البشرية بفقد رجل جرفته السيول عند محاولته إنقاذ أسرته، والخسائر المادية الكبيرة التي خلفتها سيول الأمطار، ولا سيما في مناطق الفحيحيل وصباح الأحمد والصباحية.


وأرى ان التعاطي مع الأمر يجب أن يكون من منظورين، الأول يتعلق بالكوارث الطبيعية التي تضرب كل مناطق العالم، وتخلف آثاراً وخسائر كبيرة، ويدخل فيها مسألة عدم استيعاب البنية التحتية للصرف الصحي ومجارير الأمطار كميات الأمطار التي تفوق المعدل الطبيعي الذي أنشئت بناء عليه، ما ينتج عنه الفيضانات والسيول، وهو أمر لا يتحمل مسؤوليته أحد، لا في وزارة الأشغال ولا في غيرها.
والثاني يتعلق باستعداد مرافق الدولة الخاصة بالأمطار، ومدى عملها وقت الأزمة، وهنا يدخل دور البشر من المسؤولين الذين يضطلعون بمسؤولية متابعة ذلك، وهنا نتحدث عن المواقع الحساسة لتصريف المياه، فقد رأينا كيف غرق نفق المنقف للمرة الثانية، بعد أن امتلأ إلى مستوى سطح الأرض، ليكبد الدولة عناء نضح المياه من جهة وخسائر مادية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي تكرر في جسر الغزالي مع تقاطع الدائري الرابع.
وهنا يبرز القصور الكبير والمسؤولية العظمى على مسؤولي الجهات المعنية الذين لم ينالوا عقوبتهم الرادعة من المرة الأولى، فاستكانوا وتركوا الأمور تمشي على البركة، حتى وقعنا في المحظور من جديد، هذا إذا عرفنا أن لجنة التحقيق البرلمانية التي شكلت لغرق نفق المنقف استغرقت سنة ونصف السنة حتى أخرجت تقريرها، فهل الأمر يحتمل كل هذا الوقت؟ فالمسألة واضحة مثل عين الشمس، مقاول فاسد لم يلتزم بشروط المناقصة والعقد، ومسؤول أفسد تسلم المشروع من دون تدقيق على تنفيذ كل ما هو مطلوب منه! فمن يتحمل مسؤولية الخطأ البشري في الأزمة الأخيرة والتي حدثت قبل سنة ونصف السنة؟ مع يقيني بأنه سيكون هناك «كبش فداء» جديد يقدم قربانا للأزمة، حتى «تعدّي» وربما قدم من خلال القرارات التي صدرت، فيما المسؤول الحقيقي الذي «خان الأمانة» خارج نطاق المحاسبة، وعجبي لحال بلدنا!
بقي أن نسجل نقطة مضيئة أبرزتها الأزمة، وهي الفزعة الوطنية التي تابعناها لمواجهة موجة الأمطار، حيث شاهدنا فرق الجيش والحرس الوطني والشرطة وكل الجهات المعنية والمتطوعين، وهم يهبون لمساعدة المتضررين والتخفيف من آثار الأمطار على الشوارع والمرافق العامة، وهي حالة وطنية تسجل بحروف من نور لشعب لديه حس وطني عالٍ يجب أو يقابل حس أعلى بالمسؤولية من ذوي الشأن في الوزارات والجهات الحكومية الذين يتولون المسؤولية.

h.alasidan@hotmail.com
@Dralasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي