No Script

اقرأ المقال قبل الفطور!

تصغير
تكبير

إن الصراع الحقيقي ليس بين ظاهرة نزع الحجاب أو ظاهرة ارتداء الحجاب، وليس بين دعاة الحرية أصحاب الخطب التحفيزية ودعاة المحافظة أصحاب الخطب الإنشائية.
الصراع الحقيقي هو صراع مصادرة حق الفرد في اختيار قراراته والسيطرة على مجاله الحيوي، والذي يتم اختراقه كل يوم بشكل تراكمي عبر مصالح اقتصادية ومشاريع سياسية لدول ذات طابع ديني مرة وطابع ترفيهي مرة أخرى، ومسارات إعلامية متفق عليها بين الجميع، عدا أصحاب الشأن أنفسهم والذين هم الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب أو اللاتي ينزعنه، ليتحول الجميع إلى ادوات وتروس صغيرة في هندسة الرأي العام وتكوينه حسب السياق بما يخدم توجهات أكبر من خياراتنا الفردية.
وفي الواقع أنا مع نزع الحجاب كخيار فردي، ومع ارتدائه أيضا كخيار فردي، ولا أدعي أن نزعه أو ارتداءه يمثل أي معيار أو مؤشر لأي شيء، فلا ارتداؤه كمجاميع يعبر عن قيم عليا مجتمعية، ولا نزعه يعبر عن وعي واستنارة مجتمعية، تماما كمجتمع اللحى والدشاديش القصيرة أو مجتمع البدل، كلاهما على مستوى الوطن العربي في ورطة أخلاقية وتنموية ومعدلات فساد وفقر وتهجير قسري وأموال تصرف على الأسلحة على مرأى ومسمع من الليبراليين والإسلاميين على السواء، فلا المجتمعات المحجبة وصلت للإحسان ولا المجتمعات السافرة وصلت للمساهمة في النهضة الحضارية، وسيكون من الدوران غير المجدي أن نلجأ إلى اعتبار أن نزع الحجاب هو انتصار للتيار الليبرالي أو ارتداءه هو انتصار للتيار الإسلامي... لأن كليهما يصعد ويهبط ليس من خلال المبادرات الداخلية للمنظومة، بل بالدفع من الخلف من أحداث داخلية وخارجية في الوقت الذي يعتقد أصحاب الفكر الليبرالي أو الإسلامي أنهم سائرون للإمام برغبتهم، ولن ننسى أن أكثر ما أثبته الربيع العربي هو أن الخلل بقدر ما كان في الحكام كان أيضا موجودا في الشعوب بكل فصائلها السافرة والمحجبة، الملتحية والحليقة... المشايخ والمثقفون وما دون ذلك.


إن الاعتقاد أن نزع الحجاب بين قطاع الفتيات الشابات تحديداً هو شكل من أشكال الانفتاح أو الاستنارة أو الوعي أو التمرد على السائد والموروث المتخلف، سيؤدي إلى مجتمع مدني ليبرالي متفاعل ومساهم في الإنتاج البشري والنهضة الحضارية، لهو اعتقاد أبسط ما يقال فيه إنه استقراء طفولي لم يرتق إلى ربط النتيجة بمسبباتها.
والاعتقاد أن ارتداء الحجاب هو تعبير عن التمسك بالقيم والمثل العليا ومعيار لمدى المحافظة على شرائع الدين، سيؤدي إلى مجتمع رباني يمتلك كفايات العمل وزرع الفسائل وتفجير استعدادات الناس في العمارة والعدل والإحسان... لهو اعتقاد أسخف من الذي قبله.
حسناً... باختصار الخلاص فردي وليس جماعياً، فلا الخطاب الإسلامي الحالي الذي يفصل بين الطقوس والسلوك سينفع، ولا الخطاب الليبرالي الذي يفصل الأرض عن السماء سينفع... وكل طائر وماشٍ على قدمين ملزوم بكتابه فقط وتقبل الله طاعتكم.

كاتب كويتي
moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي