إن الصراع الحقيقي ليس بين ظاهرة نزع الحجاب أو ظاهرة ارتداء الحجاب، وليس بين دعاة الحرية أصحاب الخطب التحفيزية ودعاة المحافظة أصحاب الخطب الإنشائية.
الصراع الحقيقي هو صراع مصادرة حق الفرد في اختيار قراراته والسيطرة على مجاله الحيوي، والذي يتم اختراقه كل يوم بشكل تراكمي عبر مصالح اقتصادية ومشاريع سياسية لدول ذات طابع ديني مرة وطابع ترفيهي مرة أخرى، ومسارات إعلامية متفق عليها بين الجميع، عدا أصحاب الشأن أنفسهم والذين هم الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب أو اللاتي ينزعنه، ليتحول الجميع إلى ادوات وتروس صغيرة في هندسة الرأي العام وتكوينه حسب السياق بما يخدم توجهات أكبر من خياراتنا الفردية.
وفي الواقع أنا مع نزع الحجاب كخيار فردي، ومع ارتدائه أيضا كخيار فردي، ولا أدعي أن نزعه أو ارتداءه يمثل أي معيار أو مؤشر لأي شيء، فلا ارتداؤه كمجاميع يعبر عن قيم عليا مجتمعية، ولا نزعه يعبر عن وعي واستنارة مجتمعية، تماما كمجتمع اللحى والدشاديش القصيرة أو مجتمع البدل، كلاهما على مستوى الوطن العربي في ورطة أخلاقية وتنموية ومعدلات فساد وفقر وتهجير قسري وأموال تصرف على الأسلحة على مرأى ومسمع من الليبراليين والإسلاميين على السواء، فلا المجتمعات المحجبة وصلت للإحسان ولا المجتمعات السافرة وصلت للمساهمة في النهضة الحضارية، وسيكون من الدوران غير المجدي أن نلجأ إلى اعتبار أن نزع الحجاب هو انتصار للتيار الليبرالي أو ارتداءه هو انتصار للتيار الإسلامي... لأن كليهما يصعد ويهبط ليس من خلال المبادرات الداخلية للمنظومة، بل بالدفع من الخلف من أحداث داخلية وخارجية في الوقت الذي يعتقد أصحاب الفكر الليبرالي أو الإسلامي أنهم سائرون للإمام برغبتهم، ولن ننسى أن أكثر ما أثبته الربيع العربي هو أن الخلل بقدر ما كان في الحكام كان أيضا موجودا في الشعوب بكل فصائلها السافرة والمحجبة، الملتحية والحليقة... المشايخ والمثقفون وما دون ذلك.