من زاوية أخرى

خلع الضرس أسهل من كتابة سطر!

تصغير
تكبير

تحفظ كتب الأدب مقولة طريفة ومأثورة للشاعر العربي القديم الفرزدق، عندما قال: «تمر عليّ أيام خلع الضرس فيها أسهل من قول بيت من الشعر». ليختصر في جملته تلك معاناة كبيرة في بعض الحالات لا يستطيع معها نظم بيت من الشعر. تذكرت هذه المقولة، وأنا أبحث عن موضوع أتناوله في مقالي هذا، فلم أجد جديدا يمكن التطرق إليه ومناقشته، سواء في الشأن المحلي أو الإقليمي والدولي، وكل ما يمكن قوله سيكون مكررا و معادا.
فقد ترددت كثيرا في البحث عن موضوع للمقال هذا، وكلما رسا تفكيري على قضية أو موضوع، أجد أنني قد تناولته في ما سبق، حتى ليبدو ما أكتبه عنه مكررا وبلا فائدة. ففكّرت وتساءلت: هل يمكن للكاتب أن يأخذ إجازة من الكتابة؟ فكان الجواب مثيرا وعنوانا لكتابة مقال، ليتأكد لي أن الكاتب الذي يتوقف عن الكتابة لعدم وجود قضية يثيرها، هو في الحقيقة وصل إلى محطة التقاعد، حتى لو لم يصل إلى سن التقاعد - المبكر منه أو الطبيعي - وفق تصنيف حكومتنا العتيدة ومجلسنا الموقر، أو وفق قرار مجلس الخدمة المدنية بتسريح مَنْ خدم 34 سنة.
ومن القصص الجميلة في تاريخنا الادبي، عن الكتابة، ما ذكر عن المؤرخ والكاتب العربي الأندلسي عبدالرحمن بن خلدون، المعروف تاريخيا بابن خلدون الذي ألف كتاباً تاريخياً شاملاً أسماه «كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، وهو كتاب ضخم من ثمانية أجزاء.


وعندما انتهى منه أراد أن يكتب مقدمة تكون مدخلاً للكتاب، ويقال إنه توقف قليلاً واحتار كيف يبدأ الكتابة، ثم أخذ يكتب قليلاً قليلاً، ويتناول بعض ما جاء في مضمون كتابه، ليستطرد وتمتد سطور وصفحات المقدمة، حتى وصلت إلى كتاب كامل قائم بذاته منفصل عن الكتاب الأم، معروف لدينا جميعا باسم «مقدمة ابن خلدون» التي اصبحت أهم وأشهر من الكتاب الأساسي الذي لم يشتهر كشهرة مقدمته التي اعتبرت مؤلفاً منفصلاً ذا طابع موسوعي، يتناول فيه كل ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها في الإنسان. كما تناول بالدراسة تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها.
وحتى لا نبتعد عن واقعنا كثيرا، فإنني كتبت كثيرا ثم محوت، وكلما انطلقت في معالجة قضية، أكتشف بعد ثلاثة أو أربعة أسطر أنني سبق أن تطرقت إليها، وأن ما أكتبه أو سأكتبه هو في حقيقته تكرار لا فائدة منه يمكن أن تقدم للقارئ الكريم، فأعود وأمحو ما كتبته، وأبحث عن موضوع آخر فيتكرر الموقف نفسه، من قضية الحراك النيابي الحكومي في مسألة الجناسي المسحوبة وإعادتها لأصحابها، إلى التصعيد النيابي ضد وزراء بعينهم، كوزير التجارة والصناعة ووزير النفط ووزير المالية، مرورا بالإخفاق الحكومي المتكرر في التعاطي مع القضايا الطارئة والمزمنة، كقضية العمالة المنزلية، خروجا نحو الملفات الإقليمية والدولية، وتعريجا على الملفين اليمني والسوري والدور الإيراني فيهما، ليكون كل ما يمكن أن يكتب في أي من تلك القضايا إعادة لما سبق، ولا سيما أنه ليس هناك جديد في كل تلك القضايا، الأمر الذي يجعل التطرق إليها غير ذي جدوى. وعلى أمل أن يجدّ جديد في أي قضية من تلك القضايا، نؤجل الحديث عنها.
ومن طرائف الحديث عن الكتابة والاستعداد للمواقف المقبلة، تروي كتب التاريخ والأدب أن رجلاً دخل على صديق له شاعر في بيته، فوجده منهمكا في كتابة قصيدة عرف أنها قصيدة رثاء لوالدة الخليفة، فقال له: ويحك ترثي أم الخليفة وهي على قيد الحياة ولم تمت بعد؟ فرد عليه: أستعد لذلك الموقف الذي ربما لن أستطيع معه كتابة بيت من الشعر، فتكون القصيدة جاهزة بلا عناء.
ونحن ربما نجهّز في عقولنا ودفتر ملاحظاتنا، بعض الفكر والعبارات لتكون جاهزة عند حدوث تغيير في أي قضية من القضايا، ونرجو أن يكون التغيير إيجابياً وفي مصلحة المواطن والوطن.

h.alasidan@hotmail.com
@Dralasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي