No Script

خواطر صعلوك

بلا طعم ... يا صديقي !

تصغير
تكبير
صديقي مواطن ما قبل النفط ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طلب مني صديق يعشق الفساد أن أكتب خطاب تعبير من أجل ابنه الذي هو في المرحلة المتوسطة، حيث طلب منه معلم اللغة العربية أن يكتب موضوع تعبير عن رحلة الانتقال من البدواة إلى النفط، وبصراحة أنت أول شخص خطر على بالي.


في البداية أود أن أطمئنك على الكويت فهي بخير لولا بعض الأمور التي تعكر صفوها. فمتوسط أعمارنا أصبح أطول من متوسط أعماركم وأصبحنا نعيش حياة أطول منكم ولكن بإخفاقات أكثر.

لم نعد نسير على الرمال كما كنتم تسيرون ببطء، ولم تعد قرانا مثل قريتكم القديمة حيث بنيانها من الطين أكثر من الإسمنت، وشوارعها من الحجر أكثر من الإسفلت، فالآن أصبح عندنا إسفلت ولكن أصبحنا نموت عليه بسرعة، وأصبح عندنا قرية ولكننا لا نملك بيتاً فيها بل نعيش بصفة (مستأجر)،أعلم أنها صفة غريبة عليكم ولكن هناك أشياء كثيرة تغيرت.

لم نعد نحتاج للحمام الزاجل ولا لحملة الرسائل فقد امتلكنا هواتف ذكية ولكنها جعلت حياتنا أكثر غباء، فهذه الهواتف فيها صور، ولكن من دون إهداءات، وفيها رسائل ولكن من دون توقيع وفيها الكثير من الذكريات ولكن من دون ملامح، وفيها الكثير من (القروبات) ولكن بلا صداقة، وكل يوم يسقط صديق من قائمة هاتفنا بسبب أمور سخيفة وليس بسبب عاصفة شديدة كتلك التي كانت تسقط أصدقاءكم في قاع البحر.

صديقي مواطن ما قبل النفط:

لقد أصبحنا نشتري سلعاً لا نحتاجها ونعمل في وظائف لم نخترها، وننفذ أهدافاً لم نضعها، ونعيش حياة مترفة لم نبذل مجهوداً فيها، وسافرنا لمتحف اللوفر وقضينا وقتاً في شواطئ إسبانيا وحدائق النمسا، وأصبحنا نحن الأكثر إنفاقاً في إنكلترا، ولم يعد عندنا المستشفى الأميركاني بل أصبحنا نتعالج في أميركا ذاتها.هل تصدق؟

ولكن يا صديقي وطننا أصبح أقل تنمية بين الأوطان المحيطة به، فتخيل أن يقلع الجميع وأنت مازلت في المطار!!

لقد تطورنا كثيراً وأصبح عندنا خدم يطبخون لنا ولكنه طعام بلا حب كما كانت تطهوه أمهاتكم، وأصبحت الأسرة تجتمع على الطعام ولكن دون (ثرثرة) كتلك التي كنتم تسمعونها من آبائكم، وحتى إذا شاهدتنا في أحد المطاعم خارج المنزل فسيتبادر إلى ذهنك أننا نعيش طقساً جنائزياً لا يتكلم فيه أحد بسبب انشغالنا بالعالم الافتراضي.

لقد أصبحنا يا صديقي نشرب أجود أنواع القهوة ولكننا خاملون، ونستمع لموسيقى إيقاعها سريع عكس ما كنتم تسمعونه، ولكنها تجعل أرواحنا تلهث كي تتابع نغماتها، ولم تعد تضحكنا النكتة نفسها التي كانت تضحككم.

لقد تطورنا كثيراً يا صديقي وأصبح عندنا كتاب ومفكرون، وأصبحت المكتبات مليئة بالكتب، ولكنها كتب تتكلم عن تاريخكم وليس عن حاضرنا، عن ماضيكم وليس عن مستقبلنا، بل إن الأسوار الطينية التي بنيتموها قد هدمناها، ولكننا بنينا بدلاً عنها أسواراً اجتماعية أكثر علواً للدرجة التي جعلتنا لم نعد قادرين على تجاوزها. نعم يا صديقي ... لقد تطورنا كثيراً ودخلنا الحداثة من أوسع أبوابها ولكن حياتنا أصبحت ... بلا طعم.

ملاحظة:

مدرس اللغة العربية الذي يدرس ابن صديقي الفاسد، إذا قرأت هذا المقال فاعلم أني من كتبه وليس الطالب ... فأعطه صفراً يناسب حجم فساد أبيه.

****

قصة قصيرة:

يجلس أمام التلفاز ... يقلب القنوات ... هذه عن الحيوان والنبات، وتلك عن غابات أفريقيا واللاتينية، وأخرى عن أبعاد القطب الشمالي والجنوبي ...

لقد عرف كل شيء عن الذرة وعن المجرة ... لقد أنارت المعرفة عالمه ... ولكن نفسه بقيت مظلمة.

كاتب كويتي

oh1alatwan@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي