في خضم أمواج الأخبار المقيتة المتلاطمة في محيطنا العربي، وعواصف أنباء القتل الطائفي والتشريد التي حولت حياتنا إلى ظلام دامس لا بارقة أمل قريب فيه ولا بصيص نور ننتظره في نفق الألم الذي أقحمت فيه مؤامرات الدول الكبرى وأنظمتها الوظيفية التابعة لها في المنطقة شعوبنا العربية والإسلامية من خلال التحشيد العقائدي والتخندق الطائفي، ينطلق صوت حكمة خافت من قاضية في محكمة لبنانية، شاء الله له أن يبلغ الآفاق، لتعيد إلى نفوسنا الأمل بأن الخير ما زال موجوداً، وأن للحق أتباعاً وأن للسلام محبين ومؤيدين وداعمين.
الخبر باختصار كما نشرته جريدة «الراي»، أن قاضية تحقيق لبنانية مسيحية تدعى جوسلين متى، حكمت على ثلاثة شبان مسلمين بحفظ آيات من سورة آل عمران بدلاً من السجن كعقوبة تهذيبية لهم لإساءتهم لمقام السيدة مريم العذراء أم السيد المسيح نبي الله عليه السلام، وكان الهدف من هذا الحكم، كما يبدو لي، الحفاظ على هؤلاء الشباب من أتون السجن مراعاة لصغر سنهم من جهة، وإحلال السلام والأمن المجتمعي من جهة أخرى ودعوة غير مباشرة للعقلاء أن مهنة القاضي ليست التمسك بنصوص القانون وحسب، وإنما إعمال روح القانون للحفاظ على الوطن مما يعكر صفو وداد أبنائه وإشاعة مفاهيم المحبة والحفاظ على أواصر الجيرة والمواطنة الشريفة وتفعيل مبادئ الحقوق والواجبات كي يعيش المواطن في بلده ينعم بظلال الأمن والشعور بالانتماء الحقيقي لأرضه ومشاركته الفاعلة في بلد شاء الله تعالى أن يكون وطناً له.
كما أن القاضية بحكمها هذا أوصلت رسالة قيمية لهؤلاء المسيئين من شباب المسلمين الذين تطاولوا على مريم العذراء، بأنكم لو عرفتم دينكم حقاً لما أسأتم إلى أم المسيح التي أفرد القرآن لها سورة كاملة باسمها (سورة مريم) كما خص القرآن سورة باسم (آل عمران) ومعروف أن عمران كان من أحبار اليهود الصالحين وهو والد مريم وجد عيسى عليهم السلام.