No Script

نفسياسي

أمي... وناصر الظفيري ... وإنسانيتنا!

تصغير
تكبير

لا أستطيع أن أدع ذكرى يوم الأم تمر من دون أن أقول كلمة في حقها، خصوصاً بعد أن رحل والدي عن دنيانا الفانية، ولم يبقَ لي من مصدر للبركة والخير والدعاء الذي لا تمنعه الحجب إلا هي، فبها ابتدئ هذا المقال، وبها أختمه، رغم أنني سأتحدث عن شخص آخر تماماً في السطور الآتية!
أمي كمعظم أمهاتكم...
عظيمة في كل شيء، لكنها ستظل الأعظم والأجمل والأفضل عندي، كما أمهاتكم عندكم حفظهن الله جميعا، وأجدد في هذا اليوم الجميل لها محبتي وامتناني على كل ما قدمته لي طوال حياتها، وهذا شكر العاجز القاصر والذي لا يستطيع وفاء دينه إلا بالتعبير عن التقدير، وأقول لأمي الغالية، الممرضة المتقاعدة، أنني ما زلت أتذكر اليوم الذي يكون لديك فيه «خفارة»، فتغيبين عنا سويعات في العصر والمساء، أشعر وكأنها سنوات طويلة، ولا أستطيع فتح دفاتر مدرستي أو فعل أي شيء آخر سوى انتظارك عند باب المنزل، محتمياً من نار الشمس بظلال «سدرتنا» الوارفة - أتذكرين تلك الأيام! - فعندما ألمح سيارتك قد أقبلت من بعيد تهللت أساريري، وعاد الدم يتدفق في عروقي، وبدأ الكون في الحركة من جديد!


أمي... ما زلت طفلك الذي يراك ملجأه وحصنه الحصين بعد كل هذه السنين، وما زلت أحب أن أراك صغيرة وشابة في عيني، فلا تسمحي للشيب أن يغزو جمال شعرك، حتى لو اضطررتي لصبغه، ولا تطلبي مني فعل الشيء نفسه وصبغ بياض شعري ولحيتي، فهي «موضة» هذه الأيام للرجال يا حبيتي الدائمة، لذا، فاطلبي المساواة إلا في هذه، فأنا سأسمح للزمن أن يرسم خيوطه على ملامحي، ولكني سأقطع يده إن فكر في الاقتراب من وجهك الجميل...
أمي... «ما عندي» أكثر أو أكبر من كلمة... أحبك.
ولأنني ولدك - وتربي على يديك الطاهرتين ورعى تنميته وتنشأته قلبك الطيب - فقد تأثرت كثيراً يا أمي من خبر وفاة شخص لم ألتقه يوماً، لكنه إنسان يستحق أن يهتز لقصته ووفاته المرء، وأن يتأثر بشدة بها!
الكاتب والروائي الكويتي فعلاً، والذي لم يحصل على ورقة تثبت انتماءه لهذه الأرض، الأستاذ ناصر الظفيري، فاضطر للهجرة لكندا تاركاً روحه وقلبه في الكويت، رافضاً نفض غبار الجهراء عن ظهره، هذا الرجل الكويتي الأصيل قد رحل عن دنيانا قبل أيام بعد صراع شجاع مع مرض عضال، ولا أخفيكِ يا أمي، فقد دمعت عيناي وأنا أقرأ ما كتبه هذا النبيل عن بلده الكويت، رغم بعده عنها لسنوات!
ناصر هو أحد أبناء هذه الفئة، التي ما زلنا نتجاهل حقوقها في وطنها، مبدع آخر لا نهتم بقيمة إبداعه وإضافاته للسجل الأدبي لبلده، في الوقت الذي تقاتل فيه الدول الأخرى لاستقطاب الكفاءات في جميع المجالات، وكلما رأيت كيف أن بلادي وبلادهم - الكويت - غير ملتفتة لما يملك من يطلق عليهم «بدون» من قدرات بشرية هائلة وإبداع في مجالات شتى أتحسر على واقعنا... وأتألم لهؤلاء الأخوة الذين يضطر أطفالهم لبيع ما يستطيعون بيعه في الشوارع لسد رمقهم، بينما ننعم نحن بخيرات بلادنا ونخشى على أبنائنا من «الهوا الطاير»...
أمي... ارفعي يدك الطاهرة بالدعاء لناصر بالرحمة وأن يجد ملاذه في عدالة السماء، وادعِ للكثيرين مثله بأن يتم إنصافهم في بلد الإنسانية والخير.
أمي... طفلك الكبير ما زال يحبك... ولكني اليوم حزين... على ناصر!

alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي