No Script

رأي قلمي

في هذا الزمان...!

تصغير
تكبير

خلق الله تعالى الإنسان اجتماعياً بطبعه وتكوينه، مختلطاً بحالة من العوز والاحتياج لغيره من بني البشر. فحاجات الفرد أكثر بكثير من أن يلبيها بمفرده، لهذا أصبح اليوم من الضروريات العيش في مجتمع والعلاقات فيه وثيقة منسجمة متوافقة. ومن القواعد الأساسية في العلاقات الاجتماعية أن الإنسان كلما مضى في طريق التحضر زادت حاجاته، مما يعني أن لا بد من زيادة الأشخاص والجماعات والمؤسسات التي بات يعتمد عليها في تلبية حاجاته.
ولطالما أن معظم مسراتنا تنبع من علاقاتنا الاجتماعية، كما أن معظم الأخطار التي تحيط بنا مصدرها بغي وظلم الإنسان واعتداؤه على أخيه، فنحن مطالبون بالتفكير والعمل على جعل مجتمعاتنا أكثر أمناً واستقراراً وأكثر جاذبية للعيش فيها، وهذا يحتاج إلى الكثير من العمل الجاد والمستمر المصحوب برؤية راشدة لحاجات ورغبات الناس في هذا الزمان، كما لا ننسى التفكير في تعزيز انتماء الإنسان إلى أمته الكبرى ومجتمعه.
المجتمع عبارة عن مجموعة شبه مغلقة، فضلاً عن أنه مجموعة كبيرة من الناس يعيشون على رقعة جغرافية تخضع لسلطة سياسية واحدة. فالعادات والتقاليد والقيم والقوانين السائدة تدفع المجتمع نحو الانغلاق، لكن انغلاقه لا يكون كاملاً بسبب التفاوت الواضح بين أفراده في فهم وإدراك الواقع والتحديات والفرص إلى جانب التفاوت في الامتثال والخضوع للعادات والتقاليد والقوانين السارية، ولا ننسى في هذا السياق التفاوت في الإمكانات والقدرات والمواهب الشخصية وفي ظروف النشأة. وهذا يجعل تماسك المجتمع منقوصاً، في الوقت الذي تتاح فيه الفرصة للتطوير والتجديد الاجتماعي.


فنحن اليوم بحاجة لمجتمع قوي لديه رأسمال اجتماعي، أي نظام مؤسسي وعلاقات وعادات وتقاليد تؤثر في كل جوانب المجتمع بما ينعكس على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي يؤثر في عملية التنمية واستمرارها، ولكل رأسمال مصدر حتى يستثمر ويبقى إلى ما شاء الله. فمصدر رأس المال الاجتماعي هو ما يقوم به الأفراد من بناء مؤسسات وعلاقات وشبكات اجتماعية مثل جمعيات النفع العام والنقابات والأحزاب والمؤسسات الخيرية التي تخدم كل فئات المجتمع.
أما المصدر الثاني، فهو المنظومة القيمية التي توفر الأرضية الفكرية والأخلاقية للعيش المشترك والشعور بالطمأنينة والثقة والشفافية وتحمل الآخر، ومحاولة تفهم ظروفه والرغبة في معاونته، إلى جانب عقلنة الأمور في قيم الإيثار والتواضع والنقد الذاتي وحب المعرفة والتفاؤل، يعني أن رأس المال الاجتماعي ليس مجموعة من الأفكار والمفاهيم، وإنما مجموعة من الصفات الراسخة في النفس والسلوك ومجموعة من المبادرات والعلاقات البناءة والمفيدة.
إن تكوين المجتمع لرأسماله يحتاج إلى وقت طويل لأنه عبارة عن تغيير ثقافي عميق، والتغيير الثقافي دائماً استراتيجي بعيد المدى، إلا أن بتربية الأمهات العظيمات في البيوت، نستطيع من خلال التربية التي تحوّل المعرفة إلى ثقافة وسلوك وعلاقات ملموسة، أن نختصر الزمن في تكوين رأسمال اجتماعي لمجتمع قوي بتعليم ممتاز وأطر تقنية متقدمة، وقدر كبير من المعلومات والمعارف التي يرى الناس الأشياء من خلالها، فلا مطمع ولا مطمح في وجود مجتمع قوي ذي رأسمال اجتماعي من غير معارف ومعلومات حديثة تكون في متناول الجميع.

m.alwohib@gmail.com
mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي