No Script

تركيا... والجريمة!

تصغير
تكبير

قد تحتاج الدول إلى تغيير مواقفها أو سياساتها في العديد من القضايا تجاه أطراف عدة بحسب ما تقتضيه مصالحها العليا.
وتغيير الموقف لا يعني بالضرورة التنازل عن المبادئ والقيم، كما أن تحقيق المصالح ودفع المفاسد للبلاد هو من أهم واجبات قادة الدول.
وفي الشريعة الإسلامية قواعد فقهية تشير إلى الأسلوب الذي ينبغي اتباعه عند تعارض المصلحتين أو المفسدتين، ومنها قاعدة: «يُدْفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما، ويُحصّل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما».


والمتأمل في السيرة النبوية الشريفة يرى أن المسلمين تعرضوا لأزمات  عدة تطلبت أن يتعامل معها الرسول عليه الصلاة والسلام بحسب ما يحقق مصلحة المسلمين ويدفع الضرر عنهم.
فعلى سبيل المثال في غزوة الخندق وخلال حصار المدينة من جهة كفار قريش ومعهم بعض القبائل، ومع نقض يهود المدينة للعهد، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكسر الحصار ويفكك قوة الأحزاب، فاستشار سادة الأنصار بإعطاء ثلث ثمار المدينة لقبيلة غطفان مقابل انصرافهم عنها، لكن الأنصار قالوا: لا نعطيهم إلا السيف.
والشاهد هنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد التنازل عن بعض خيرات المدينة - وهذه مفسدة - لكن من أجل دفع مفسدة أكبر وهي اقتحام المدينة.
نورد هذه الأمثلة للرد على من هاجموا تركيا بعد قرار المحكمة التركية بإطلاق سراح القس الأميركي برونسون، والذي كان متهما بجريمة الدعم والمشاركة في الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا صيف 2016.
حيث قضى برونسون أكثر من سنتين بين السجن والإقامة الجبرية، وقام الرئيس الأميركي باتخاذ قرارات للضغط على تركيا من أجل إطلاق سراحه، أثرت بشكل كبير على الاقتصاد التركي.
البعض أخذ بالهجوم والسخرية من تركيا، واعتبرها رضخت للضغوط الأميركية.
ونرد على هؤلاء بأنكم تريدون من تركيا أن تتخذ مواقف مفصلية في القضايا العربية والإسلامية، وأن تكون رأس الحربة في مواجهة الصهاينة والصلف الأميركي، وأن تدعم الشعوب المسلمة المضطهدة، وهي ليست بدولة عظمى اقتصادياً أو عسكرياً، ولا تجد الدعم المطلوب من العديد من البلاد العربية والإسلامية، بل إن البعض يتآمر عليها، ثم إذا تنازلت عن بعض الأمور من أجل تحقيق مصالح عظمى و دفع مفاسد كبرى - للأتراك ولعامة المسلمين - قمتم باتهامها بالخضوع والرضوخ!
في اعتقادي أن الرئيس أردوغان والحكومة التركية استطاعوا إدارة العديد من الأزمات التي مرت بها بلادهم باقتدار، كأزمة إسقاط الطائرة الروسية وقتل السفير الروسي في تركيا، والمحاولة الانقلابية الفاشلة، وأخيرا أزمة القس الأميركي، بحيث حافظوا على استقرار بلادهم، من خلال المرونة في المواقف من دون أن يسمحوا لأحد - كائناً من كان - أن يهين بلادهم أو يحط من مكانة رموزهم.

Twitter: @abdulaziz2002

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي