No Script

مأساة الجزائر... ولبنان أيضاً

تصغير
تكبير

مأساة الجزائر تفرض طرح سؤال في غاية البساطة: من المريض فعلاً؟ هل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أم الجزائر نفسها؟
لم تستطع الجزائر الخروج من أسر سنوات طويلة فرضها نظام الحزب الواحد على الرغم من أن الدستور الجديد يسمح بتعددية سياسية وحزبية. أُجري إصلاح للنظام من دون إصلاحه. تسيطر في الواقع على هذا النظام أجهزة امنية مرتبطة برجال أعمال ينتمون الى دوائر معيّنة يحتكرون معظم العمليات المالية والتجارية.
في السنوات العشرين الأخيرة، لم يتغيّر الكثير في الجزائر على الرغم من أن بوتفليقة والدوائر الضيقة المحيطة به نجحت في تقليص نفوذ الاجهزة الأمنية، خصوصاً بعد التخلص من الجنرال محمد مدين (توفيق)، مسؤول الاستخبارات العسكرية، الرجل الصامت الذي كان يمتلك نفوذا كبيرا جعل منه صانع الرؤساء.


كان انتخاب عبدالعزيز بوتفليقة رئيسا في العام 1999 فرصة كبيرة للجزائر كي تلتقط أنفاسها وتعيد بناء نظامها والوصول الى مرحلة يكون فيها تبادل للسلطة. لا معنى لايّ ديموقراطية من دون تبادل للسلطة في ظروف طبيعية وليس في ظروف بلد مثل لبنان، مثلا، كان من الدول الرائدة في المنطقة في هذا المجال. بقي لبنان يتمتع بالريادة الى ان اصبح تحت الوصاية السورية ثم الوصاية الايرانية التي تتميّز بوقاحة ليس بعدها وقاحة. صار «حزب الله» يقرّر من هو رئيس الجمهورية في لبنان.
بكلام اوضح، طرأ تغيير جذري على النظام في لبنان. حصل تعديل لاتفاق الطائف عبر الممارسة من دون الإعلان عن ذلك. هناك في لبنان من يعمل في الخفاء والعلن في الوقت ذاته من اجل نقل البلد الى مرحلة جديدة لا علاقة لها من قريب او بعيد بأي ممارسة ديموقراطية. تستهدف مثل هذه المرحلة جعل لبنان يسقط اكثر في ازمة اقتصادية عميقة يعمل الرئيس سعد الحريري على معالجتها عن طريق ما يمكن ان يحصل عليه البلد من مساعدات عربية ودولية وتسهيلات خارجية.
في المقابل، لم تستطع الجزائر تطوير نظامها السياسي بعد أحداث أكتوبر 1988. كشفت تلك الاحداث كم الحاجة الكبيرة الى نظام جديد، خصوصا بعد نجاح الجيش في انقاذ الجمهورية وبدء البحث عن خيارات أخرى مختلفة في أواخر العام 1998 تمهيدا للاتيان بعبدالعزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية. وقع الخيار على بوتفليقة بصفة كونه شخصية تمتلك شرعية تاريخية وقبولا على المستوى الوطني.
ثمة من سيقول انّ لا مجال لمقارنة بين لبنان والجزائر. الجواب انّ المقارنة ضرورية. كشفت التجربتان الجزائرية واللبنانية مدى التراجع الذي يعاني منه بلدان عربيان كانا مؤهلين ليكونا من الدول الصاعدة في المنطقة الممتدة من البحر المتوسّط الى شمال افريقيا.
من دون تجاهل عامل الجهل اللبناني، وهو عامل يشكل قاسما مشتركا بين المسيحيين والمسلمين، كانت هناك دائما رغبة سورية في دفع لبنان الى ان يكون محميّة تدار من دمشق. كان الخوف من افلات لبنان من الهيمنة السورية وراء اغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005. دفع رفيق الحريري ثمن إعادة الحياة الى لبنان ووضعه مجددا على خريطة المنطقة والعالم.
كان في استطاعة بوتفليقة ان يكون املا جديدا للجزائري. لم يكن هناك من يريد اغتياله. لكنّ الرئيس الجزائري بقي رهينة عقد لم يستطع التخلّص منها في ايّ وقت. على رأس هذه العقد، عقدة المغرب حيث ولد واقام حتّى السابعة عشرة من العمر في بلدة وجدة. لم تكن عقدة المغرب وحدها التي تحكمت ببوتفليقة، هناك عقدة تجمع بين معظم الزعماء العرب الذين يرفضون التنازل عن السلطة. في النهاية، ان رجلا مثل الحبيب بورقيبة الذي بنى تونس الحديثة والذي لا يختلف كلّ من له علاقة بالحضارة على ما حقّقه من إنجازات، سقط في امتحان نقل السلطة الى خليفة له عندما بات عاجزا عن تحمل مسؤولياته. وقع بورقيبة في اسر الحلقة الضيّقة المحيطة به. يمكن تعداد عدد كبير من الزعماء العرب نسوا معنى الانتقال السلمي للسلطة ودور التقدّم في السنّ في جعل الانسان يفتقد قدراته الذهنية والجسدية.
هناك زعيم عربي حاول الخروج من السلطة، لكنهّ ما لبث ان تراجع في اللحظة الأخيرة. هذا الزعيم هو علي عبدالله صالح الذي اصدر بيانا في العام 2006 يرفض فيه الترشّح. ما لبث انّ وجد طريقة لتجاوز هذا البيان وذلك لاسباب قد تكون مرتبطة بشعوره بانّه لم يكن هناك من غنى عنه في تلك المرحلة. قد تكون الأسباب أيضا في تحذيرات من رجال الحلقة الضيقة المحيطة به التي كان افرادها يخشون على انفسهم من مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح!
توفرت لبوتفليقة فرصة دخول التاريخ. لم يفعل ذلك. هل للقرار الذي كُتب نصّه له والذي يعلن فيه ترشيح نفسه لولاية خامسة علاقة بمستقبل المحيطين به؟ الأرجح ان ذلك هو بين الأسباب الرئيسية لصدور البيان الذي لا يستطيع بوتفليقة قراءته، او ربّما فهم فحواه. يكتب الرئيس الجزائري فصلا جديدا من المأساة الجزائرية التي كان مفترضا به ان يضع نهاية سعيدة لها. تماما مثلما هناك فصل جديد للمأساة التي يعيشها لبنان منذ 1975 والتي حال اغتيال رفيق الحريري دون خروجه منها...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي