No Script

رواق

عقدة سعاد حسني

تصغير
تكبير

أعترف أني مصابة بعقدة سعاد حسني، لدرجة أن تشبيهي بها شكلاً يرعبني - بدلاً من أن يسعدني لجمالها - رغم أني لا أشبهها لا من قريب ولا من بعيد!
أحب سعاد حسني، مثلما يحبها كثيرون من أبناء جيلي، لكن رحيلها الصادم دفعني للشك بفرضية الانتحار أكثر من فرضية القتل، التي اقتنع بها محبوها وسعوا لإثباتها.
بالنسبة لي، كان ذلك الرحيل بداية وعي لما اسميته: متلازمة سعاد حسني، وحاولت وما زلت أحاول تجنب الإصابة بها... الله يحفظني ويحفظكم ويحفظ حبايبها منها!


محاور متلازمة سعاد حسني في وعيي ثلاث: التقدم في السن، التغيير في الشكل بسبب زيادة كبيرة في الوزن قد تكون مفاجئة، وانحسار الأضواء بسبب إخفاقات بعد نجاحات كاسحة تسببت في اكتئاب مزمن.
من هنا كنت أخاف النجاح أكثر من الفشل، وأتجنب الشهرة أكثر مما أسعى لها، وأعيش على حمية غذائية مستمرة أما التقدم في السن فيغلبني وأغلبه!
وبسبب عدم وعي مجتمعاتنا التقليدية بخطورة مرض الاكتئاب الذي قد تكون هي أحد أسبابه، وربما تزيده ما يدفع المصاب به للإقدام على الانتحار، ثم يتباكى عليه وينكر انتحاره ويسعى لإثبات مقتله، أو أسباب وفاة أخرى يداري من خلالها عدم وعيه بثقافة الانتحار وهو يدفع به نحوه!
نتعرض يومياً لتعليقات لاذعة من نوع : «كبرتي، عجزتي، انتفختي»، من دون مراعاة خطر الاكتئاب المصاحب للتغيير الهرموني، مثلما نتعرض للإهمال والانتقاد من الأشخاص أنفسهم الذين يتباكون علينا بعد رحيلنا!
اليوم نجد متلازمة سعاد حسني تتكرر حولنا، وتخطف أحبابا وأصحابا مرهفي الإحساس شديدي الحساسية لا يحتملون رؤية وجوههم في المرآة، وقد شاب مفرقهم وتجعدت ملامحهم، ولا يتقبلون مرور عجلة الزمن حين لا يقبلهم الآخرون بما صاروا عليه، ويصرون على تذكيرهم بماضيهم، حتى ينعزلوا فلا يحترمون انعزالهم ويدفعونهم للانكسار وربما الانتحار لاحقا!
خطر الاكتئاب يفوق خطر أمراض قاتلة كثيرة، لأنه قاتل صامت يرى أن أحداً لا يتعاطف مع من قتلهم، خصوصاً أن القتلى لا يتعاطفون مع أنفسهم ويقسون عليها كثيراً، متوقعين منها المثالية والكمال في كل شيء.
لا مانع من فشل بعد نجاح، وتراجع بعد تقدم، وانحسار الأضواء بعد شهرة، ومشيب بعد شباب... الفعل واحد وردود الفعل متفاوتة من متلازمة سعاد حسني في الاكتئاب، إلى النقيض في تعايش الصبوحة مع الحياة وحبها الدائم لها، ذلك الحب الذي منحها الصلابة في مواجهة الجحود والنكران وإشاعات الوفاة.
أعترف هنا أني حين أكملت الأربعين، وكنت بالمصادفة في لندن، اتصلت بالدكتور عبدالله المطوع وقلت له يرجى أخذ زيادة وزني بجدية خوفاً من مصير سعاد حسني اللندني، الذي لحق بكثيرات، ابتداء من داليدا، ولم يتوقف عند كيت سبيد، فقد يصل إلينا إن لم نتعامل معه بروح الشحرورة الرياضية، لعل وعسى تتضافر جهودنا لتجنبه ولنصبح... كلنا الشحرورة صباح!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي