No Script

نفسياسي

كل حاجة فيها سليمة... بس لوحدها!

تصغير
تكبير

أعترف بأنني من مدمني متابعة برنامج الإعلامي المعروف عمرو أديب كل ليلة تقريبا. بدأت في ذلك منذ أيام الدراسة في كندا حيث كانت لا تصلنا في ذلك البلد البعيد أيامها إلا بعض القنوات التلفزيونية، وكان برنامج «البيت بيتك» إذا لم تخني الذاكرة هو نافذتنا على كل ما يحصل في مصر العزيزة والعالم العربي. ورغم اختلافي الشديد مع الكثير من الرؤى السياسية للأستاذ أديب، إلا أنني أشهد له بالتميز في عمله وسعة انتشاره وسهولة توصيل معلومته لجمهوره بما له من قفشات جميلة وأسلوب شعبي قريب من القلب.
ومن الثوابت في برامج الأستاذ أديب، ما يقوم به من عرض مشكلة من مشاكل أحد الأجهزة الإدارية أو الخدمية في مصر، ونقد القصور في عملها نقداً لاذعاً، متبعاً ذلك بالاتصال بالمسؤول عن تلك الجهة محل الانتقاد، ويجري معه حواراً لا تخرج منه إلا بنتيجة واحدة، أن الجهاز يقوم بعمله على أكمل وجه، وأن القصور هو في تعاون أجهزة الدولة الأخرى، و«كل حاجة تمام يفندم وفل الفل». لتخرج من ذلك الحوار بأسئلة أكثر عن هذه الأجهزة التي تخلي جميعها مسؤوليتها عن كل ما هو سلبي في البلاد، ليبقى السؤال الأهم: لو كان الكل «سليما»... فأين الخلل؟
تذكرت كل هذا وأنا أقرأ تقرير الزميلة «القبس» عن عدم تعاون الوزارات الأخرى مع توجيهاتها بخصوص تطبيق الإصلاحات المالية والاقتصادية، حيث ذكرت أن هنالك فارقا مستمرا بين الإيرادات والمصروفات بما يفاقم من العجز، مع تأخر في الرد على مشروع إعادة تسعير الخدمات العامة، ناهيك عن أن نسبة عدم الالتزام بتطبيق الميزانيات متوسطة المستوى قارب الـ 95 في المئة... فقط!


لدي إحساس يقترب من اليقين، بأننا لو قمنا بعمل برنامج تلفزيوني يشبه برنامج الأخ عمرو أديب، وقمنا باستضافة المسؤولين الكويتيين للحديث عن العجز والتقصير في مؤسساتهم، فلن يختلف الحوار عما نشاهده في البرنامج المذكور، وستكون الذرائع دائما أن «احنا سوينا وعدلنا وقمنا بالواجب»، ولكن المشكلة هي في تعاون الجهات الأخرى في الدولة، وهو حوار ممل ومعلومة نهاياته، ولن نخرج منه إلا بنتيجة واحدة، وهي أن أجهزة الدولة لا تجمعها فلسفة واحدة أو برنامج شامل واحد يدفع بها للعمل بصورة تكاملية من أجل تحقيق أهداف تنموية تنعكس على واقع البلد ككل، «مش فقط» على صورة المسؤول الجالس على سدة رئاسة هذه المؤسسة أو تلك رافعا شعار... «يا الله نفسي»!
إن الدولة أيها السادة هي في مجموع مؤسساتها، التي يجب أن تعمل كالتروس والأجزاء متصلة في ماكينة حكومية واحدة من أجل الوصول لنتائج محددة يتلمسها المواطن بدل الانخراط في لعبة تبادل اللوم والاتهامات وتقاذف كرة اللهب من أجل إخلاء المسؤولية.
واعذروني، فالمشهد بأكمله ذكرني بالكلمة الخالدة للراحل سعيد صالح في مسرحية «العيال كبرت»، عندما سأله والده - الفنان حسن مصطفى - عن السيارة التي في عهدته والتي كان قد حطمها عن بكرة أبيها قبل قليل، فكانت إجابة سعيد صالح هي:
«الحمد لله... العربية كل حاجة فيها سليمة... بس لوحدها... يعني كل شيء مستقل بذاته... الكنب في حتة والفرامل في حتة...».
وأخشى أن يكون وضع أجهزة الدولة عندنا كسيارة سعيد صالح...
كل حاجة فيها سليمة... بس لوحدها!
 
alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي