التاريخ يعيد نفسه أحياناً
وأحيانا نحن نكرر أخطاءنا!
في صيف عام 1932م تعرضت الكويت لموجة عارمة من مرض الجدري، وقد سمى الكويتيون هذه السنة «بسنة الجدري» لكثرة من مات وأصيب بهذا الوباء، وقدرت الوفيات بنحو سبعة آلاف أغلبهم من الأطفال في حين قدر عدد السكان في الكويت في تلك الفترة بخمسين ألفاً.
(لاحظوا نسبة الوفيات: سبعة آلاف من أصل خمسين ألفاً!)
تروي لي أمي أن جدي وجدتي أصيبا بالجدري وعلى إثره فقدت جدتي عيناً، وفقد جدي عينيه الاثنين، وعاش ورحل ضريراً، لكن الفقد الأكبر من العين تمثل في قرة العين، كانت جدتي تخضع للعزل الصحي مثلما كان جدي، لكنها كأي أم تفتقد أطفالها، كانت تبكي وتصرخ طلباً لرؤية صغارها، وارتكب القائمون على العزل خطيئة السماح لها برؤيتهم لم تكتفِ بالرؤية عن بعد بل أصرت على تقبيلهم واحتضانهم والبكاء، وكانت النتيجة، شفاء جدي، ووفاة أطفالها، خوالي الثلاث!
***
كان ذلك في زمن الجهل والفقر...
وبعد ثمانين عاماً...
وفي زمن العلم والعولمة:
عاد الوباء، عبر فيروس كورونا الدي اكتشف في منتصف ديسمبر 2019 في مدينة ووهان وسط الصين، وتم تصديره إلى العالم عبر القارات حتى صنّفته منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020 بالوباء العالمي، وتفاوت تعامل دول العالم معه بحسب نظامها الصحي، ففي حين تحتفل ووهان بانتصارها عليه ينهار نظام إيطاليا الصحي ويموت آباؤهم وأجدادهم أمام أعينهم.
وفي الكويت، نعيش حالة انفصام في أبرز تجلياتها، بين متفائل بالتجربة الصينية، ومتشائم حد الذعر بالتجربة الإيطالية، وبين التجربتين تنفرد التجربة الكويتية بتعطيل المدارس والوزارات والدعوة لمنع التجمعات، سعياً لتطبيق نظام الحجر المنزلي، ولكن لنعترف، رغم الحملات، لعل أبرزها حملة قاعد في البيت، أن نسبة الالتزام، لا تتجاوز خمسين في المئة في معظم بيوت الكويت، حتى هذه اللحظة، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا، لكن نسبة الالتزام قابلة للزيادة لارتباطها بالسيطرة على التعامل مع الوباء المستجد الذي لم يتضح مستقبله بعد، ونجاح التجربة الكويتية القائمة على تجنب الوباء قدر المستطاع، أو على الأقل تأجيل الإصابة به عن طريق تفعيل نظامي العزل والحجر المنزلي.
جدتي فقدت أبناءها، ومنّ الله عليها بعد شفائها بالأبناء منهم أمي، أطال الله في عمرها، الأبناء يعوضون، لكن الأم لا تعوض، من أجل أمي وأبي وأمهاتكم وآبائكم وأجدادكم: ازبنوا*.
***
* ازبنوا مفردة نجدية ارتبطت بالالتجاء لطلب الحماية والاختباء من الدخيل، حتى زوال الخطر ووردت في أغنية محمد عبده: يا حبيبي حكمت في بيت: ليت من ينهبه يا سعود هاك الغزال
ثم يزبن عليكم مثل «زبنة رشيد»
جدير بالذكر أن «زبنة رشيد» ناهزت عشرة أعوام لم يكل خلالها أو يمل، لكن بعضنا بدأ في التملل قبل مرور نحو عشرة أيام!