يكفيكم شر «البسبسة»، أي والله، فهي أشد فتكاً من الهجاء والذم والنقد مجتمعين، ذلك أن صاحبها لا يسقطك أرضاً من مكانك الذي تجلس عليه، لا يكفيه ذلك، مهما كان المرتفع أو المنخفض الذي تجلس عليه، بل إنه يسعى قاصداً متعمداً أن يرفعك إلى سابع سماء، بعمود من كلمات معسولة مدهونة بزبدة تسيحها كلمة «بس»، فتودي بك إلى أسفل السافلين متمنياً «بس» لو أنه لم يمدحك... لو اكتفى بذمك، لكنت مذموماً محشوماً بدلاً أن تطاردك لعنة البسبسة!
«بس» أداة «نفسي» في الثقافة الكويتية تتستر بثوب الوعظ الكاذب والمنافق، بل هي لا تكتفي بنفي ما قبل بل تنسفه وتهده وتبيده عن بكرة أبيه!
خذ عندك: «فلانة جميلة بس لسانها طويل»، هي أسوأ من «فلانة ملسونة» الثانية ستدعو لها بالهداية أما الأولى فستلعن الجمال الذي لا يجمل أخلاق صاحبه!
«موظفة ممتازة بس ما عندها تحمل للمسؤولية» أسوأ من «موظفة تحتاج تطوير» الثانية يمكن التعامل معها وتطويرها أما الأولى فإن ذهب تقديرها للمسؤولية ذهبت!
قس على ذلك «الغرفة جميلة بس لو مكبرينها شوية» أسوأ من «الغرفة صغيرة وجميلة» الأولى تنفي الجمال بسبب الصغر والثانية تؤكد الجمال رغم الصغر والغرفة واحدة، تماماً كالكأس، أصحاب النصف الفارغ يبحثون عن العيوب في كل شيء جميل كالباحث عن الكنز، وأصحاب النصف الممتلئ يبحثون عن الجمال في قلب الخراب، ويسعى الفارغون إلى تقصير إعمار الممتلئين بإفراغهم من جمالهم بسلاح «البسبسة».
ناسين أو متناسين أن الجمال الذي ينبع من الداخل، لا يقدر على حجبه المنشغلون بتدمير الخارج، لأن الواجهات يسهل ترميمها والأصل في الأساس... أساس المبنى أو الإنسان.
فكيف يستطيع أن يرى الجمال من لم يكن جميلاً؟ وبدلاً من محاولة تجميل ما يمكن تجميله في روحه الخربة، يسعى في الأرواح تخريباً وتقبيحاً، قبحه الله على قدر ما قال «بس» بعد طلب رأيه - وغالبا من دون طلب- وبعد فوات الأوان... وأقصى حالات مدحه: حلو بس فيه أحلى منه... أليست عبارة «مو حلو» أحلى على الأقل واضحة وصريحة لكننا اعتدنا على خداع أنفسنا قبل خداع غيرنا... فعشنا حياتنا «نبسبس» و«بس».