رواق

هل كل مَن يكتب كاتب؟

تصغير
تكبير

هل كل مَن يكتب كاتب؟
سؤال فلسفي تتطلب إجابته البحث عن تعريف الكتابة:
الكتابة فعل مرهق جداً، أجزم أنه أصعب سبعين مرة من حمل سبعين كيلو في النادي، صحيح أنك لا تستخدم عضلاتك، لكنك تستخدم عقلك، رئيس مجلس إدارة إحساسك وتقديرك وتفكيرك، والمسيطر الأول على مشاعرك وأعصابك، ولقد أثبتت التجارب المتلاحقة أن قلة - إن لم يكن ندرة - يمتلكون هذا العقل، فيما يتراوح الأكثرية بين الأدمغة الفارغة والمخ بلا عقل، والعقل بلا استخدام، وهذا النوع الأخير هو الأصعب على الإطلاق!


الكتابة عمل مرهق، لأنك تستخدم عقلك لمخاطبة عقول تعتقد أنها تشبهك أو تفهمك أو تتحدث بلغتك على الأقل، ثم تكتشف أنك وقعت في مطب يؤدي إلى منعطف طريق في نهايته منحنى قد يؤدي إلى الهاوية، فليس أمامك إلا أن تتحدث لغتك، مفترضاً محاولتهم لفهمها أو الحديث بلغتهم محاولاً فهمهم، إن لم يُتح لك خيار المحاولة من طرفين بطريقة: «خل شوية عليك وشوية عليّ»!
ما جدوى الكتابة لمن لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم؟ الجدوى في تأثير الكلمة ووصولها - ولو بعد حين - وفهمها أخيراً ولو أسيء فهمها، وإن أخطر ما يواجهنا - في إساءة الفهم - «بارانويا» البعض وجنون العظمة والعجرفة والغطرسة الفارغة والخواء لدرجة توهمه أنه بات محور الكون، وكل الكتابات تدور في محيطه، وهي تتحدث عن ظواهر بشرية خارج نطاق المعجزات الإلهية التي يعتقد نفسه منها!
الكتابة حرية، لا يُقدم عليها من كان مكبلاً بعوائق فرضت عليه أو فرضها على نفسه، والكتابة قيادة، لا يتقدم نحوها من كان تابعا، أو غير متابع، فالكتابة اطلاع دائم، ومسؤولية، وتوثيق لكل آرائك وأفكارك وأخطائك، وتأثيرك سلباً كان أم إيجاباً سيبقى صامداً حتى لو تراجعت عنه.
الكتابة عري، تتيح لمن لا يعرفك أن يفهمك، والكتابة صداقة، إن صدقت فيها، لوجدت في أبعد الناس عنك قربا حميما، والكتابة انفعال وانفصام وتشافٍ من عقد نفسية ابتلي بها البعض من دون سبيل لتفريغها، إن لم يملك رفقة مع قلم أو كيبورد يفتح قناة مع عقله وقلبه وشرايينه وينقل نبضها إلى الورق سواء نشره أو ستره.
الكتابة شجاعة وثقافة يتحسس منها من يفتقدها أو يفتقرها، فيقلل من شأنها وهو يقلل من شأنه، لا شأن للكتابة بما يفعله الكُتّاب خارج كتاباتهم، ولا يفترض أن ينسجموا مع ما يكتبون فقد يكتبون ما ينقصهم أو ما يتمنون، كخفة الدم والطرافة وهم لشدة خجلهم دمهم أثقل من السبعين كيلو إياها في بداية المقال، وقد ينطلق في مضمار الكتابة بسرعة عدّاء عالمي من يُتأتئ الحروف حين يلفظها، فالمرء يحاول سد نقصه أحياناً بما ينقصه قولاً إن لم يملك الفعل، والكتابة انفعال وتفاعل وفعل.
الكتابة معركة، يحاول الكاتب الخروج منها بأقل قدر من الخسارة أو... بمقالة!
انتهت المقالة ولم تتوصل إلى الجواب الذي كتبت في سبيله فكأن حالها كمن: جاوب السؤال بعد جهد السؤال بسؤال:
وهل كل من يفكر مفكر؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي