رواق

الموت قسمة ونصيب

تصغير
تكبير

جاء يسألني: لماذا لم تبدِ رأيك في قضية إسراء غريب؟
سألته: وهل هناك آراء في جريمة قتل؟
فاستدرك: ليست جريمة قتل بل ضرب أدى إلى الموت.


نظرت إليه باستغراب: تعددت الوسائل والموت واحد... فهل الجريمة أخف أم أقسى؟
قال: أقسى طبعاً، واختفى بعد أن رفضت الاستماع إلى تسجيل صوتي للمغدورة طالما تجنبته كلما مر علي هاشتاق ‏?«كلنا - إسراء غريب» فقلبي الصغير لا يحتمل المزيد من المآسي في عالم من شدة اهتزازه لا يهزه موت!
***
«فتاة تُقتل بكل وحشية، وهناك من يجلس في برجه العاجي يُناقش أوجه الموضوع الأخرى.
‏حفي اللسان ونحن نقول: إن لم تستطع أن تقف بجانب الإنسان، امنحه على الأقل صمتك».
سطران كتبتهما المغردة أسماء عليان يلخصان فضيلة الصمت فالتزمت الصمت.
يصر البعض أن يتقمص دور الدول العظمى، ويعتقد أن مجلس الأمن انعقد ليستمع إلى أقواله ليصدر قراراً دولياً يلوح له بال?يتو... قاتل الله مواقع السوشال ميديا التي حولت كل مواطن إلى وكالة أنباء، ينشر أخباراً وينفيها ثم يحللها ويحاكيها!
باختصار ليس مطلوب مني أو من غيري رأياً على كل شاردة أو واردة، ولا يعني ذلك مصادرة حقه في الوقوف في وجه الظلم مع المظلوم أمام الظالم، فثمة قضايا لا حياد فيها ولا تحتمل أنصاف وأرباع الحلول، والتصدي لها قضية أخلاقية لا تنحصر في شخصيات أو شخوص معينة، ولماذا ننتظر أن تقتل فتاة على يد رجل - أياً كانت صفته- لنخفف عقوبته لأنه رجل قتل امرأة؟... الجريمة واحدة والعنصرية واحدة!
***
نعود إلى الذين من شدة أهميتهم يلوذ إليهم الصمت، لأنهم لا يلوذون إليه، أولئك الذين يحبون أن يدلوا بدلوهم في كل شاردة وواردة وكثيراً ما يخرجون عن النص أو يغردون خارج السرب، من شدة ثقتهم بتأثيرهم وشهرتهم، والمشكلة كل المشكلة حين يصدر كلام غير مختص من شخص مختص، كأن يقول الطبيب رأياً خاطئاً في كرة القدم ويطلب من الجميع إعطاء كلامه صفة القدسية، لأن اسمه تسبقه «دال» التعريف، رغم أن لاعب كرة القدم لم يبد يوماً رأياً في الحمى الصفراء لتهييج الجماهير ضد الأطباء!
يتقمص الفنان دور الزعيم فيرفع شعارات «توديه في ستين داهية»، أمام جمهوره الذي يقيس فنه برأيه ورأيه بفنه، رغم أن المطلوب فض الاشتباك بين الاثنين على طريقة تحية كاريوكا، حين قالت عن فايزة أحمد «صوت كروان بس مخ عصافير»، والخيار متروك لنا إن كنا سنطرب حين نستمع إلى «يمه القمر عالباب»، أو سنناقش معها عدالة «ناسا» في كيفية اختيار رواد الفضاء!
للفنانين نقول: «يا أهل المغنى دماغنا واجعنا دقيقة سكوت لله»، وللجمهور نقول: ضعوا الفنان في صندوق صوته ولا تحكموا عليه خارج الصندوق، فعلى سبيل المثال لو كان ثمة فنان مدمن أدمنا صوته، لسنا مطالبين بتقييم سلوكه الشخصي إذ لم يتقدم لخطبة ابنتنا ولن نلتقيه إلا مصادفة، لن يقوم خلالها ببيعنا المخدرات مثلاً، فلنكف عن لعب دور مباحث الخمور والمخدرات ومصحات علاج الإدمان في وقت واحد معه وتجاهه.
***
أخيراً من الظلم أن نطالب الفنان أن يتبنى رأي جمهوره أو يستعين بمستشارين لطرح آرائه وأفكاره المتزنة، فالعالم بحاجة إلى المزيد من المجانين والخبول ليمنحونا متعة الضحك عليهم، سواء كانوا مشاهير أو مغمورين وتخيلوا الملل في ديوانية «ما فيها خبل واحد?» أطال الله في عمر مجانينا، شرط ألا يجننوا العالم، وأن يحققوا فيه التوازن بين الجنون والعقل ولو بشعرة!
***
ومع ذلك يتساوى المجانين والعقلاء أمام الموت، الذي يتساوى أمامه القتل بالضرب الشديد حتى إزهاق الروح... رحم الله إسراء غريب، وليرحم حال أمتنا التي من شدة انقسامها انقسمت على موتاها!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي