رواق

العصفورية

تصغير
تكبير

«ومع هذا يا حكيم ما أكثر الذين يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، يحكمون على كل إنسان، ويبتّون في كل قضية، ويفتون في كل معضلة، تصوّر غرور هذا المخلوق، الذي يعيش في هذا الكون الشاسع، ويعتقد أنه يعرف كل شيء... سبَح لخالق هذا الملكوت، يا دكتور، واركع وأسجد واخش».
ما سبق كان فقرة من رواية «العصفورية» للراحل غازي القصيبي، والعصفورية تعني مستشفى الأمراض النفسية بالعامية في كثير من اللهجات، وتحكي الرواية - التي صنفت في المرتبة 35 في قائمة أفضل مئة رواية عربية - عن بروفيسور يخضع للعلاج في المصح النفسي وتخلص حواراته مع طبيبه المعالج الطويل جداً، والتي يتم تفريغه في الرواية ضمن جلسات الفضفضة، إلى أننا جميعا نعيش في عصفورية أكبر، أعقلهم يخضع للعلاج في المصح، أما أجنهم فخارج المصح، يتسلط على من هم أعقل منه بقراراته المجنونة، ومع انتهائها تنتهي صلاحيتة. ويطويه التاريخ الى مزبلته وقد قيل إن مزبلة التاريخ كلها شخصيات مهمة (VIP)!
من أكثر اقتباسات الرواية تداولا: «اذا أردت لموضوع أن يموت فشكل له لجنة»، و«البروقراطية تقتل خصمها بإحدى طريقتين: إما إغراقه في التفاصيل إغراقاً تاماً، وإما حجب التفاصيل عنه كلية»، وكل اقتباس يحتاج لمجلدات تشرحه وتؤكد بنماذج وحكايات وروايات أكثرها في الدوامات، التي ينعكس أوضاعها على أوضاع البلد الذي يضع الخطط ويشكل لجاناً لتنفيذها، بهدف قتلها فنخلص إلى التفوق في التخطيط والفشل في التنفيذ، وهو فشل تفاصيلي نصفه غرق فيها ونصفه الآخر نشف منها!


العاقل في دولة المجانين مجنون، والحل في الجنون.
فالعصفورية هي الحل لأن الحكمة تؤخذ من أفواه المجانين، والجنون فنون وبين الجنون والعبقرية شعرة واحدة والجنون مراتب، وبعض الجنون عين العقل كما أن بعض العقل جنون والتصرف العقلاني الوحيد هو اللجوء إلى العصفورية، وفيها الكثير من العقلاء الذين نحتاج إلى حكمتهم، فهل من مجنون يخرج العالم من عصفوريته؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي