... أردنا أن نكتب عن الشدادية فكتبنا عن ماريا، بالنسبة لنا، أنوار وأنا، ماريا أهم من الشدادية، وبالنسبة لي الشدادية تكتسب أهميتها من أهمية أنوار، وأنوار تكتسب أهميتها من ماريا!
ليه؟ من غير ليه!
جامعة الشدادية التي ذهبت لاكتشاف جهوزيتها وجدتها جاهزة في انتظاري تستبق الخطط بالنتائج، منذ النظرة الأولى بعد متاهة طبيعية تتعرض لها السيدات يومياً لدى قيادتهن ولا يفيد معها الاستعانة بسائق، وصلنا إلى البوابة إياها التي تركتكم عندها في المقال السابق.
ما إن دلفنا من البوابة حتى لوح لنا النخيل والذي قيل أن عدده تجاوز الألفي نخلة مثمرة، يتم اختبار النخلة عند زرعها وإن لم تثمر يتم استبدالها بأخرى ولا أعلم الحكمة من ذلك، ما علينا، يعد النخيل خطاً فاصلاً في الشدادية بين الطلاب والطالبات عند تطبيق قانون منع الاختلاط، و«شدعوة» كان عندنا اختلاط أصلاً، المهم أن ثمة مباني للكليات تنتشر على الخط الموازي للنخيل، ولكل كلية مبنيان واحد للذكور وآخر للإناث تتوسطهما واحة نخيل!
اخترقنا منع الاختلاط بدخول مبنى الإناث برفقة عدد من الرجال المشرفين على المبنى، ومعظمهم من الوافدين، المفارقة أن معظم النساء العاملات كن كويتيات!
بدأنا بكلية الهندسة ثم العلوم ثم العلوم الإدارية، وكأنني أتبع مسيرتي الدراسية في جامعة الكويت، استذكرت جهاد التنقل بين الكليات والبحث عن مواقف سيارات، خصوصاً أن المعدل وصل إلى سيارة ونصف لكل مواطن، فالمشكلة أزلية في البحث عن نصف موقف، ومشكلة المواقف عند توفرها أفقيا في الشدادية لم تحل، إلا بعد ما تم التعامل معها بتوفير خدمة النقل الجماعي من السيارات إلى الكليات، ولا أعرف إن كانت تلك مشكلة أم حل، العبرة في التطبيق، ونحن في انتظار التحاق الأساتذة بعملهم والطلبة بدراستهم كي يمكننا التقييم، هل الجامعة جاهزة لاستقبالهم؟ بالمقاييس الكويتية نعم، وبالمقاييس العالمية نحتاج إلى جهوزية الذين سيلتحقون بالجامعة لتشغيلها!
كيف؟ في خامس أغنى بلد في العالم من السهولة تشييد جامعة أو حرم أكاديمي بمقاييس علمية، باستيراد الخبرات من الشرق والغرب، وإدارته بالنخب الفكرية المتوافرة لدينا، ولكن ماذا عن البقية خارج دائرة النخب الضيقة؟
الذين إذا ذهبوا لحضور فيلم في السينما تركوا البوب كورن تدوسه الأقدام من دون صون للنعمة الزوالة، الذين إذا ذهبوا للحداق رموا مخلفاتهم في البحر الذي يصطادون منه، الذين كسروا فك سمك القرش في المركز العلمي!
هل يمكن الحفاظ على الكراسي الإيطالية المستوردة، لتتناسب مع قدرات الذين يكتبون بأيديهم اليسرى واليمنى حين ميسرة من دون تخزيق وتمزيق؟
لدينا عمارات تبنى على البحر مطلع الألفية الثالثة، تعبث القطط في صفائح قمامتها أمام المصاعد المعطلة، في حين أن عمارات الدول المتقدمة بنيت قبل الحرب العالمية الأولى، وتحافظ على عراقتها وتتجدد سنويا لتتفوق على عماراتنا الجديدة، الخلل في الصيانة إذاً، والصيانة تبدأ بالمحافظة والمحافظة تبدأ من حسن الاستخدام.
هل تصلح الشدادية ما أفسده الشعب، الذي يتهم الوافد بتخريب ديرته باعتبار «الكويتي ما يخرب ديرته أصلا الكويتي ما يأكل بوب كورن عشان يقطه عالأرض»؟!
لذلك لا تحكموا على جامعة صممت لغيركم، بل صممت لجيل يختلف عن جيلكم، فاحكموا على الجيل من جامعته.
عند تجولنا لساعات وساعات لفت انتباهنا السقف الزجاجي الشاهق لكلية الهندسة، والسلالم الطويلة في الواجهة العريضة لمبنى العلوم، وشاشات عرض أسعار أسهم البورصة في مدخل العلوم الإدارية وألوان المقاعد البورغندية والفيروزية والليمونية، وتسلل الأضواء بين النخيل في المساء، إلا أن ماريا - رغم انبهارها الشديد الذي لا تكفيه كلمة «واو» - لم تفارقني وأنا أرافقها، ورغم فخرها الدائم بالمبنى وكأنه أحد أفراد أسرتها، كيف لا؟ وابنتها أشرفت عليه وهي فخورة بابنتها مثل فخرها به، ومع ذلك كله أبت ألا تختتم الجولة بعبارة نقدية لاذعة مدمرة: الشغل في الأرضيات يستحق درجة (صفر)، حاول الجميع تدارك الانتقاد بالتوضيح مع التعهد بمحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه وسط نوبة ضحك سببها أن شر البلية ما يضحك!
صدقت ماريا، المباني، كل المباني، تفسد من أرضياتها!