في طفولتي المبكرة شاهدت سيدة شقراء تجلس على مقعد قريب منا، والدتي وأنا، في معرض الكتاب، همست أمي في أذني: هذه ليلى العثمان!
سألتها لاحقا: من هي ليلى العثمان؟ فأجابت بعفوية: ابنة عبدالله العثمان!
ذهبت إلى جدي أسأله: بابا عود تعرف عبدالله العثمان؟ فرد: ومن لا يعرفه! سألت عن أبنائه وكانوا كثرا لفت انتباهي اسم بثينة بينهم لغرابته ولإعجابي به ربما لكنني تساءلت: لماذا ليلى أشهرهم؟
رد والدي على سؤالي الذي أشغل البيت في عمر الأسئلة: لأنها تكتب... أصررت على شراء مجموعتها القصصية: امرأة في إناء، قرأتها في وقت يقرأ فيه أقراني مجلات ميكي وماجد وسعد وسمير، وهكذا كانت معرفتي بالكتابة والقراءة وليلى العثمان وهكذا كبرت مع الكبار.
كبيرة هي ليلى العثمان، بثراء تجربتها، الكتابية والحياتية، وسواء اتفقت أم اختلفت معها، لا تملك إلا أن تحترمها، قالت ذات يوم: لم يطوعني المجتمع للاندماج معه، أنا التي طوعت مجتمعي لقبولي رغم اختلافي عنه، مختلفة هي في كل شيء، الخاص منه والعام، شكلاً وموضوعاً، ثرية في كل شيء، سخاء وعطاء وتجربة، تبهرك بشيء جديد عندما تعتقد أنها أعطت تقريباً كل شيء والأكثر إبهاراً تواضعها رغم شموخها، صرامتها رغم طيبتها، خليط المتناقضات التي تحملها معها أينما حطت ورحلت.
عرفت ليلى العثمان لاحقا، من معارض الكتاب ومهرجانات القرين، التي عملت في إدارتها فور تخرجي في قسم الإعلام في جامعة الكويت، كانت شعلة نشاط، بل هي الأنشط من جميع خصومها الذين ينتهزون كل فرصة ليلوكوا سيرتها أما هي «ولا تجيب لهم طاري»، تكبر أكثر، وأقترب أكثر، أدخل بيتها، وبيت والدها، متحف بيت العثمان، وأقرأ السيرتين، و«تطيح الميانة» نمزح، وفي مزحها هي أكثر جدية.
ما مناسبة الكتابة عن ليلى أو ليلى الكويتية - كما اتهمت بعد أن قامت بالرد على الراحل غازي القصيبي - بعد روايته شقة الحرية، وما أحلاها من تهمة قرنت اسمها باسم وطنها فهي خير من يمثله، المناسبة أنني وجدت روايتها «حكاية صفية» بين يدي مجموعة من المراهقات بين أفراد أسرتي - أعمارهن من 13 إلى 16 - وعندما طلبت منهن الانتهاء منها لقراءتها لاحظت إحراجهن لجرأة ما ورد فيها (وهي بالمناسبة ممنوعة) سألتهن: هل هي أجرأ ما قرأتن؟ أجبن: قرأن أجرأ منها بكثير باللغة الإنكليزية، لكنها أجرأ شيء قرأناه في الكويتي «ويقصدن باللغة العربية لكاتبة كويتية».
قرأت الرواية فأعادتني الى ليلى وحكاياتها عندما كنت أقرأها وأنا في أعمارهن نفسها وكيف كنت وكيف صرت وكيف أثرت قراءاتي كتاباتي وكيف تعلمت اللغة من لغة ليلى، التي جذبتني بمكر لكره شخصياتها ثم التعاطف معها بموضوعية، وشيء من الحياد لا تملي من خلالها آراءها الشخصية على قارئها، عندما تقدم صورة الأب الصالح القاسي، فلا تعرف إن كنت تكرهه لقسوته أم تتعاطف معه لصلاحه، وحين تغلف الانفلات بالتعرض للظلم فتتركك تحتار كما بعض أبطالها... هل نلوم الضحية على ظروفها أم نلوم ظروف الضحية وهل هي ضحية فعلاً، كما هو حال صفية أم كلنا ضحايا بصورة أو بأخرى أم نحن لم نذق الظلم مطلقاً عندما نرى الظلم في رواياتها؟
جبارة هي ليلى العثمان، لا تستطيع ان تبدأ في قراءة كتاباتها من دون أن تنهيها سواء اتفقت أم اختلفت مع محتواها.