«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (30) (سورة البقرة).
سفك الدماء خطيئة صاحبت الفساد، وجعلت الملائكة الأخيار يسألون الخالق العظيم عن سرّ خلق الإنسان الذي سيتوالى خلافة الأرض، وهو - أي الانسان - سيمارس تلك الرذائل الجواب كان قاطعاً «إني أعلم ما لا تعلمون».
ومنذ خلق الله آدم عليه السلام حتى يرث الله عز وجل الأرض سيتوالى سفك الدماء، خطيئة عظيمة لكنها من طبائع البشر ويقابلها بعلم الله أخلاق بشرية عظيمة كالتسامح والمحبة والعدالة والرحمة، هكذا هو الإنسان.
ترى ماذا كان يفكر فيه برينتون تارانت - الشاب الأسترالي - وهو يسفك دماءً بريئة في دار عبادة، يصطادهم وهو منتش ويتفاخر بفعلته، وماذا كان يفكر فيه محمد عطا - الشاب العربي - وهو يحمل بالطائرة أبرياء ليلقي بهم في نار الاصطدام في مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك، وماذا كان يسيطر على فكر أندريه بريفك - الشاب الأوروبي - وهو يسفك دماء عشرات من الشباب الصغار في معسكر للتخييم في النروج، مقابل هؤلاء هناك آلاف من بني البشر ضحوا بأنفسهم في سبيل إحياء الانسان، آلاف من البشر عشقوا الخير وأقاموا العدل والحرية، أسماءٌ من كل دين ومِلّة وكل جنس كانوا ضمن رد الله على الملائكة «إني أعلم ما لا تعلمون».
إن الذي يستغل خطيئة سفك الدماء ويجعل هذا الشر صفة تلتصق بطائفة من الناس، كما فعل وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية البريطاني بوريس جونسون - في تعقيبه الشهير على حادثة ميونخ، التي اعتبرها إرهابا وألصقها بالشرق الأوسط، وتبين لاحقاً أنها حادثة إجرامية قام بها معتوه - الذي يفعل ذلك من المتعصبين والسفهاء هم جزء من البشر الذين لديهم الرغبة في نشر الخطيئة على الأرض. سفك الدماء سيصاحب الإنسان وسيبقى معه، يمارسه الإنسان من كل جنس ولون، وأي محاولة لجعله صفة لمجموعات بشرية هو الفساد الحقيقي الذي حذّرت منه الملائكة في خلافة البشر. المجرم الذي قتل رواد المسجد في نيوزيلندا لا صفة له سوى أنه من بني البشر، الذين اختاروا سفك الدماء وسيجد نتائج إجرامه في الدنيا والآخرة، فهؤلاء لن يفلتوا من عقاب سفك الدماء الجريمة الأكبر المصاحبة لخلق الإنسان، هؤلاء رمز للفساد، جزء من البشر خُلقت لأجلهم نار جهنم وهم يستحقون عقابها، ويقابلهم آلاف من البشر خُلقت لهم جنات النعيم ويستحقون نعيمها. الآن هل نغضب لمجرم قاتل أم نُشفق عليه؟ مجرم اختار العذاب الدائم، و الآن أيضاً هل نحزن لشهداء تركوا الدنيا لنعيم دائم؟
إننا لا نحزن على الأبرياء فهم - بعلم الله - حيث العدالة والرحمة والنعيم، ونشفق على من سفك الدماء وقاد نفسه إلى حيث عدالة الجبّار، شديد العقاب الذي لا نعرف، نحن البشر، حدود عذابه.
[email protected]