بدأ اهتمام الكويت بالحركة الصحافية منذ العام 1928، وبعد مرور نحو تسعين عاماً على الصحافة في الكويت، اتفق أصحاب الصحف على منح أنفسهم عطلة ليوم واحد في الأسبوع، تكون فيه الكويت بلا صحف ولا صحافة!
كان صباح يوم السبت الموافق 5 يناير 2019 يوماً مفصلياً في تاريخ الصحافة الكويتية، احتجبت فيه الصحف عن الصدور اتفاقاً وليس احتجاجاً، وهو احتجاب دائم وليس موقتاً لكنه يثبت أن لا شيء دائم!
سببان «ظاهر وباطن» للقرار، الظاهر وفق ما أعلن مشاكل اقتصادية كان يمكن إيجاد حلول عديدة لها آخرها الاحتجاب، من وجهة نظري الشخصية، أما الباطن - ومن وجهة نظري الشخصية أيضا - فهو رسالة حضارية للعصر المتسارع أن التوقف هو الوجه الآخر للمسيرة، والعطلة هي الوجه الآخر للعمل، والراحة هي الوجه الآخر للإبداع، وإن الإنسان يستحق إجازة من العالم وأخباره، ولو مرة واحدة في الأسبوع، كي يواكب ركب حركته المتسارعة، بعد ان يضغط زر الـ«الريستارت» أو «الريفرش»، ويبدأ من جديد في أوج ألقه وتألقه قبل أن ينهكه وينهيه القلق!
رسالة إنسانية ضلت طريقها وسط التبريرات المادية، رغم صحتها النسبية، إلا أن الصواب جانبها - ولو قليلا - فالمعروف أن العصب الاقتصادي هو الاعلان وليس الصدور أو التوزيع، ومعروف أن الإعلانات التي اتجهت الى سوق «الفاشينيستات» ومؤثري السوشال ميديا مكانها الطبيعي صحف الإعلانات المتخصصة، في حين بقيت عروض الوكالات العالمية وحملاتها الإعلامية تعتمد على الصحافة الورقية، لسبب بسيط أنها إعلانات مكانة وصورة نمطية و«براندنغ»، وليست إعلانات تكسب سريع على طريقة المضاربة وليس الاستثمار.
ثلاثة أرباع الاعلان «برستيج» بدليل أن إعلانات الوفيات والشكر على التعازي، والتي وصلت الى صفحات كاملة في جميع الصحف، من المستحيل أن تجد لها مكاناً آخر غير الصحف الورقية، لمكانة المتوفى وأسرته.
وعليه فان المبلغ الذي يعتقد البعض أن الصحف قامت بتوفيره من عدم صدورها، هو مبلغ تصرفه كبريات الشركات والمؤسسات الإعلامية لتعزيز مكانتها... هو احتجاب لتعزيز المكانة إذاً!
وهو اعتزاز بالمكانة المرتبطة بظهر المكتب الذي تتوسده الصحيفة الورقية، إلى جانب فنجان القهوة، وحيث إن من المنطقي أن يحصل أصحاب المكاتب على إجازة - ولو ليوم واحد في الاسبوع - فمن حق صحيفتهم عليهم أن تحصل على إجازة معهم هي أيضاً.
فمن الخطأ الاعتقاد بأن العصر المنتهي مرتبط بالورق، لأن الوثائق أصل التوثيق، ولا يمكن لأي وسيلة إعلامية ان تؤثر على وسيلة إعلامية أخرى، لأنهما يكملان بعضهما تماماً مثل الإذاعة والتلفاز، فلا المرئي أنهى المسموع، ولن ينهي الإلكتروني الورقي.
بعد 90 سنة قدمت فيها الصحافة الكويتية للكويت خدمات جليلة، عززت مكانتها وكيانها، بصدورها في الخارج تحت الاحتلال، وصدورها في الداخل تحت الرقابة، مجسدة مقولة توماس فريدمان الشهيرة: «صحافة بلا حكومة أفضل من حكومة بلا صحافة»، صار من حقها أن تستريح ولو مرة واحدة في الأسبوع، لتعود بعدها إلى قرائها بشوق متبادل... وكل سبت وأنتم بلا جرائد.