أنفال الكحيلان أم لطفلتين الأولى في الثامنة من عمرها والثانية في الرابعة، اكتشفت أنها اعتادت أن تعطي أطفالها الكثير إلا العطاء نفسه فأرادت أن تخوض معهما تجربة تعليمية تعلمهما من خلالها العطاء على نحو جديد ومغاير...
اختارت مناسبة رأس السنة التي تزامنت مع احتفال الكبرى بعيد ميلادها فاقترحت أن يكون الاحتفال مختلفاً: ماذا لو جعلنا الدعوة عامة؟
فرحت الطفلتان ورحبتا بالاقتراح... ثم كان الاقتراح الثاني ماذا لو استثمرنا الحفل بصنع الحلوى ومشروب الكاكاو وبيعه عليهم بمقابل مادي؟، ففرحت الطفلتان بالاقتراح الثاني حتى كان الاقتراح الثالث الذي جاء على صيغة سؤال: ماذا ستصنعان بالعائد المادي للاحتفال؟ وبعد اقتراحات استنتجت منهما أنهما ليسا لديهما حاجة ماسة للمال استطاعت إقناعهما بتقديم عائد الحفل إلى المحتاجين وطلبت منهما اقتراح من يرونه محتاجاً فاختارت الطفلتان فقراء أفريقيا وفرحت الأم...
بعد أيام من الفكرة وقبل تنفيذها بأيام حصلت مجزرة حلب فبكى الكبار مثل الأطفال وبدأت الطفلتان بمشاركة أمهما في المساهمة في مسح دموع الجميع قدر المستطاع...
قمن بتوزيع دعوات إلى أصدقاء المدرسة والمعلمات وجيران الفريج وربع ديوانية الوالد لشراء السكاكر التي ستقومان بصنعها وبيعها لتخصيص ريعها إلى ضحايا حلب...
وفي اليوم الموعود جلستا في الحديقة تعدان بضاعتهما التي نفدت خلال أقل من ساعتين فهرعت الأم لتوفير المزيد منها عندما لاحظت إقبالاً غير متوقع من الجميع والحاضر يبلغ الغائب...
في نهاية اليوم تمكنت الطفلتان من تجميع مبلغ سال له لعابهما فبدأتا بالبكاء والتفاوض: «نعطيهم نصف الفلوس بس والنص نشتري فيه ماك بوك»، فعادت الأم إلى إعادة الدرس بتوضيح الفرق بين ما يريدانه وهما لا يحتاجانه، وما يحتاجه الآخرون. وببكاء تساءلت الطفلتان عن أب أطفال حلب: «ليش ما يشتري حق عياله أكل احنا أبونا يشتري لنا آيفون؟»، ومن خلال أجوبة تساؤلاتهما توصلتا إلى حمد الله وشكره على ما يتمتعان به من نعم، وتحمسا في مرافقة أمهما إلى جمعية الهلال الأحمر للمساهمة في شراء احتياجات أقرانهما الذين يعجز والدوهم عن توفيرها لهم.
تجربة بسيطة استغرقت أياماً معدودة ستبقى في ذهن الطفلتين إلى الأبد تغير سلوكهما من الأخذ إلى العطاء ومن التذمر إلى الحمد ومن التبذير إلى التوفير.
هذه التجربة لو قامت كل أم بتطبيقها في منزلها لما وجدنا شعباً يهدر الفراغ في الاستعراض من العدم وعدم تقدير النعم بالحلطمة ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ما يستدعي تدخل ممثلي أمته في مناقشة ظواهره السلبية هم يعتبرونهم ظاهرة سلبية.
فكل المشاكل تبدأ من البيت وإلى البيت تنتهي...
وفي كل بيت أم تحبط أعمال كل اللجان لأنها بحد ذاتها مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وفي سبيل هذا الإعداد كم أم كحيلان نحتاج غير أنفال الكحيلان؟
reemalmee@