ضوء

الجمهوريات العربية

تصغير
تكبير
عندما يتأمل المرء الأوضاع في مختلف الجمهوريات العربية، يتساءل هل ما يحدث حالياً هو نتيجة طبيعية لما حدث في الماضي؟ نتأمل الجمهوريات العربية: مصر واليمن والسودان وليبيا وسورية والعراق وتونس والجزائر وغيرها، التي تحولت عملياً وبقدرة قادر إلى ملكيات بفضل دكتاتور سابق، فمن يجلس على الكرسي لا يود مفارقته، ويظل فيه محبوساً إلى أبد الآبدين، وكلهم جاؤوا عبر الجيش والعسكر.

الرئيس اليمني السابق علي صالح تجاوز الثلاثين سنة على الكرسي ولا يزال يقاتل من أجله، وأول انتخابات أجريت في اليمن عام 1999 تنافس فيها على الكرسي مع نجيب قحطان الشعبي وبالطبع فاز علي صالح، وفي سبتمبر 2006 تنافس معه فيصل بن شملان مرشح تحالف المعارضة الإسلامية وفاز علي صالح بنسبة 82 في المئة، وهذا أمر غريب لأن على الأغلب تكون النسبة 99،9 في المئة، كما هو الحال مع الرئيس زين العابدين.


تولي زين العابدين الرئاسة عام 1978 مستنداً إلى وثيقة طبية حول صحة الرئيس السابق الحبيب بورقيبه، الذي تم انتخابه رئيساً مدى الحياة في منتصف السبعينات، ولقد قام زين العابدين بالترشح لولاية رابعة مكونة من خمس سنوات بنسبة 99.4 في المئة بعد أن تفضل بتعديل الدستور حسب مواصفاته، وذلك من خلال استفتاء شعبي طعنت فيه أغلب أحزاب المعارضة التونسية، وتم تعديل الدستور التونسي عام 2003 ليتمكن من ترشيح نفسه مجدداً ليقضي 30 عاماً متربعاً على الكرسي.

أما رئيس مصر الأسبق مبارك، فلقد حكم 30 عاماً فقط! وفي رئاسته وافق مشكوراً على تعديل المادة 76 من الدستور المصري التي تنص على أن يتم اختيار رئيس الجمهورية بالاستفتاء، بعد أن يسمي مجلس الشعب بأغلبية الثلثين مرشحاً وحيداً أوحد لرئاسة الجمهورية، والتعديل في المادة يتيح الفرصة للعديد من الأحزاب المصرية والمواطنين تقديم مرشحهم للرئاسة، ليتم المفاضلة بينهم وفقا لإرادة الشعب المصري، وتم طرح هذه التعديلات للاستفتاء العام، علماً بأنه تم انتخاب الرئيس حسني مبارك لولاية خامسة لمنصب رئاسة الجمهورية، وكانت نسبة الإقبال على الانتخابات تقدر بـ23 في المئة فقط، وقد قام بوش رئيس الدولة التي تدّعي أنها تنشر الديموقراطية والحرية في العالم بإرسال التهاني الحارة لإعادة انتخابه! وكان مبارك يعمل ليل نهار على توريث العرش إلى ابنه جمال مبارك!

أما السودان فلقد حكمها النميري 16 عاماً من 1969 إلى 1985، وبعد أربع سنوات تولى السلطة فيها الرئيس عمر البشير الذي لم يختلف عن بقية الرؤساء العرب، حيث حكم حتى الآن 27 عاماً منذ 1989، وهو مصمم ألا تقل عدد سنوات حكمه عن أي رئيس عربي آخر، على الرغم من الانقلابات والمظاهرات والعصيان المدني، إلا إنه متمسك بالكرسي حتى اللحظة.

أما رئيس الجماهيرية الليبية العظمى، فهو الباشا حقاً، فلقد حكم نحو 40 عاماً! ففي عام 1969، قامت مجموعة من الضباط في الجيش الليبي بخلع الملك إدريس، وكانت بقيادة المعمر، فدعا إلى تصفية القواعد الأميركية عام 1970 وتأميم النفط، وفي 28 أغسطس 2008 توج المعمر القذافي من قبل ملوك وسلاطين أفريقيا، وبالإجماع ليكون ملك ملوك أفريقيا في مدينة بنغازي، وبغض النظر عن موقفنا المعارض لما حدث من تعذيب وحشي وتصفية بحق الرئيس القذافي، إلا إننا ضد استيلاء فرد على كرسي الحكم لمدة طويلة بحيث تتحول الجمهورية عملياً إلى وراثية.

أما الجمهورية الجزائرية فلم يتوان الرئيس بوتفليقة عن طلب مجلس الوزراء بتعديل الدستور لإلغاء تحديد عدد معين لفترات الرئاسة المقررة للرئيس، لكي يتسنى له ترشيح نفسه لولاية ثالثة ورابعة وربما أبدية للجلوس على العرش أطول فترة ممكنة.

أما الجمهورية العربية السورية فلقد حكم حافظ الأسد كما حكم صدام حسين العراق لسنوات قاربت الثلاثين عاماً، ولكن حزب البعث السوري ربما أكثر ذكاء من حزب البعث العراقي لتفادي أن يتحول مصير النظام السوري كمصير نظيره، فبعد تتويج الابن الأكبر الوريث بشار الأسد الكرسي، لم يمهله الأميركان التقاط أنفاسه، فأشعلوا الحرب الأهلية باسم الربيع العربي، والتي ماتزال مستعرة اللهيب، والضحية هو الشعب، مع تسجيل إدانتنا الواضحة للسياسات الأميركية المتصهينة تجاه سورية والعراق، ولقناعتنا الأكيدة بأهدافهم الدنيئة لتفكيك هاتين الجمهوريتين المتبقيتين في مسبحة الهلال الخصيب والتي كانتا لديهما كل مقومات الدولة، ووضوح خططهم وأهدافهم بسرقة الآثار والحضارة والتراث، وإعادة الدولة والمجتمع ألف عام إلى الوراء، لتسهيل أهدافهم بتقسيم الوطن العربي من جديد، لو أراد الأميركان المتصهينون رأس صدام أو الأسد أو القذافي لاستطاعوا قتلهم في لحظة، لكنهم يريدون نشر الفوضى وتشريد الشعب وتفكيك الدولة.

وحدها الجمهورية اللبنانية التي تشذ عن القاعدة دوماً، إلى الدرجة التي تبقى فيها بلا رئيس لأكثر من سنتين ونصف السنة، على الرغم من المحاصصة الطائفية المقيتة التي احتضنت الفساد وبلغت حتى النخاع.

لكن المشكلة الجلية إنه كلما مر عام على الوطن العربي زادت فيه الحروب الخارجية والداخلية، ومعها يزداد التفكك والفقر والتهجير، ويتفاقم الجهل والتخلف، ويستشري الفساد، وتقل الطبقة الوسطى على حساب الطبقتين الغنية والفقيرة، فما السبب يا تُرى؟ هل الخلل ذاتي يكمن في طريقة تفكيرنا وتعاملنا الخاطئ مع تراثنا وحاضرنا ومستقبلنا؟ أم السبب موضوعي يكمن في المؤامرات والمخططات؟

والسؤال الثاني: والأكثر مرارة: إلى متى نستمر على هذه الحال؟

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي