اجتهادات

«العربي»... هل ستعود؟

تصغير
تكبير
أتذكر كثيراً في طريقي إلى المدرسة، مجلة «العربي» وهي في درج سيارة والدي. كانت تلازمه في كل مكان. كنت صغيرا في ذلك الوقت ولا أعي جيدا محتواها والمادة العلمية والأدبية التي تتضمنها. كبرت وبدأت تدريجيا بتصفحها وأصبحت أكثر تشوقا لمطالعتها، وحتى أكون أكثر وضوحا لمطالعة مجلة «العربي الصغير»! وبدأت بعدها رحلتي مع مجلة «العربي»، بصحبة والدي حتى توقفت منذ فترة زمنية طويلة.

لا أعلم السبب، ولكن يبدو أن الانشغال في أمور الحياة ومغرياتها وانتشار مواقع التواصل الإلكتروني وسهولة الوصول إلى المعلومة والموضوع المطلوب من خلال استخدام الإنترنت، وظهور القنوات التلفزيونية المختلفة، وضعف الإقبال على المطبوعات الورقية من قبل الكثيرين، وقلة الاهتمام بالمجلة من قبل المعنيين خصوصا في مواضيعها وآلية تسويقها وغيرها، شكلت لي وللآخرين أهم عوامل ومسببات هجرة متابعة هذه المجلة.


ولنعرف «العربي»، علينا أن نعود كثيرا إلى الوراء، وتحديدا عند صدور القرار الخاص بإنشاء دائرة المطبوعات لتتولى طبع الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) وكل المطبوعات الحكومية الأخرى في عام 1954. حينها فكر المسؤولون عن المطبعة بإصدار مجلة أدبية تعني بالمجالات الثقافية والعلمية المتنوعة، تهم القارئ العربي على وجه العموم، وتكون موجهة لكل دول الوطن العربي، فكان لهم ما أرادوا!

كان رئيس المطبوعات حينها سمو الشيخ صباح الأحمد أمير البلاد، حيث ساهم هو والسيد أحمد السقاف في اختيار وإقناع الأديب الدكتور أحمد زكي ليكون أول رئيس تحرير للمجلة، علما بأن زكي كان مديرا لجامعة القاهرة ووزيرا سابقا في الحكومة المصرية قبل ثورة 1952، وكان حائزا على شهادة الدكتوراه في الفلسفة والعلوم ويعتبر اختياره عاملاً مهماً من عوامل نجاح المجلة حينها.

ويعود أول عدد للمجلة إلى شهر ديسمبر 1958 وكان ذلك موافقا لانعقاد مؤتمر الأدباء العرب في الكويت، فتمكنت المجلة وفي أول عدد لها من جذب مشاركة العديد من الأدباء والمثقفين والشعراء العرب، فذاع صيتها وتمكنت من فرض نفسها كواحدة من أهم الأدبيات في الوطن العربي. وفي ذلك يقول بدر خالد البدر وكيل وزارة الأنباء والإرشاد (الإعلام حاليا) حينها: «طبع من العدد الأول نحو 30 ألف نسخة وزعت على مختلف البلاد العربية ونفذت جميعها منذ الأيام الأولى من التوزيع وتوالت البرقيات على إدارة المجلة تطالب بالمزيد».

استمرت بعدها المجلة بإصدار أعدادها، الواحد تلو الآخر، وترأس تحريرها كل من أحمد بهاء الدين والدكتور محمد الرميحي، كأول رئيس تحرير كويتي والدكتور سليمان العسكري وحاليا الدكتور عادل العبدالجادر، وتمكنت من جذب عدد كبير من الكتاب والمثقفين العرب الذين لا يسع المقال لذكرهم، وتنوعت موضوعاتها لتشمل مناحي الحياة كافة، ولتستهدف شتى الفئات العمرية والتوجهات الفكرية، إلا انها ومع كل أسى وأسف وحزن، لم تعد كما كانت نجمة ساطعة في مجال الفكر والأدب والثقافة العربية!

«العربي»، هي رمز ثقافي كويتي صرف ومشروع أدبي عربي ضخم وإرث تاريخي قديم جدير بالمعنيين المحافظة عليه والنظر في كيفية إحيائه وإعادته إلى طريقه السابق كمنارة للعلم. فهي بكل بساطة كنز مشوق ومفيد وممتع لكل باحث عن المعرفة. نعلم أن المجلة تعاني أزمات متتالية، ولكنها تحتاج حاليا، وأكثر من أي وقت مضى، إلى نهضة فكرية شاملة وإدارة محترفة ذات خبرات أدبية وثقافية وتسويقية أيضا، واهتمام أكثر من قبل الدولة حتى تعود كما كانت عليه أيام الزمن الجميل!

Email: [email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي