الحل السياسي في سورية حتمي... فمتى يصبح ممكناً؟

تصغير
تكبير
يبدو أن طرق المفاوضات ما زالت مقفلة أمام الأزمة السورية. فوجد راعيا الحرب والسلام، أي الولايات المتحدة وروسيا، نفسيهما بحاجة لجولة أخرى من القتال بين المتحاربين على الأرض، قد تمنح هذا الطرف أو ذاك بعض النقاط، أو تقنع هذا أو ذاك بأنه لن يستطيع أن يحصل في الميدان، على أكثر مما سيحصل عليه في المفاوضات.

ظاهريا يبدو أن الخلاف على مصير الرئيس بشار الأسد هو العقدة التي تعطل المفاوضات، طالما أن الراعيين وضعا خطة مدتها 18 شهرا تبناها مجلس الأمن، تبدأ بإعداد دستور وتنتهي بانتخابات برلمانية ورئاسية. بمعنى أنهما اتفقا على خارطة الطريق وبقيا مختلفين على هذا المصير. لكن واقعيا لا يمكن أن تتوقف أزمة ذات أبعاد عالمية بهذا الحجم على شخص واحد.


تدرك الأطراف المختلفة أن نص أي اتفاق شيء وتطبيقه شيء آخر، ولذلك هي تحتاج إلى مكاسب على الارض حتى تكون صاحبة تأثير عند التطبيق. هذا ما حصل في لبنان بعد اتفاق الطائف الذي طُبق في مرحلة معينة لمصلحة الممسك بالأرض، ثم ما زال كثير من بنوده غير مطبق حتى الآن.

كل يوم يتضح أن الأزمة السورية أكثر تعقيدا مما كنا نتصور، مع تكشف حجم الرهانات التي استُثمرت فيها من جانب القوى الإقليمية والعالمية. وما دام من غير الممكن التوصل إلى حل يشعر معه الجميع بأنهم لم يخسروا، فإنه لن يكون هناك حل، لأن أحدا ممن استثمروا في هذه الأزمة، غير مستعد لخسارة استثماره.

مع ذلك، هناك صاحب قرار على كل من الجانبين، يستطيع المساهمة في إنجاز الحل إذا أراد. وما زالت الولايات المتحدة التي هي صاحبة القرار الأخير على أحد الجانبين لم تحسم أمرها، وإلا كيف نفسر تصريح وزير الخارجية جون كيري الأخير بأن بلاده لن تسمح لأي من الطرفين في سورية باكتساح الآخر؟

رغم أنه لا يمكن الركون إلى الاتهام الروسي لواشنطن بأنها مستعدة لكي تحافظ على هذه المعادلة لأن تسمح ولو بشكل محدود جدا، وعبر طرف ثالث إقليمي أو دولي، بوصول صواريخ أرض - جو للتحالف الذي يضم «جبهة النصرة»، والذي أسقط الطائرة السورية في ريف حلب الجنوبي، إلا أن السياسة الأميركية تشهد حاليا واحدا من تقلباتها الكثيرة التي تميزت بها طوال سنوات الأزمة السورية، مع عودة الحديث عن نيتها تدريب مقاتلي المعارضة واتفاقها مع تركيا بشأن الحرب على «داعش» وإظهار شيء من الابتعاد عن الحلفاء الأكراد في سورية.

تأتي أخبار هذا التغير الجديد قبل أيام على القمة التي سيعقدها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، أي أنها تندرج ضمن إطار تمهيد الأجواء لهذه القمة التي يرجح أن تعود بعدها السياسة الأميركية إلى سابق عهدها.

على الجانب الآخر، أعطت موسكو، وهي صاحبة القرار في التحالف الذي يضمها إلى إيران والنظام، إشارات كثيرة إلى أنها لا تتمسك بالأسد كشخص، ولكنها تتمسك بما تعتبره مصالح استراتيجية لها في سورية، وآخر هذه الإشارات دعوة نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف واشنطن إلى تأجيل البحث في هذا المصير حتى لا يعرقل المفاوضات، وفي ذلك قبول روسي بمناقشة هذا المصير وإنما لاحقا، أي أن الأسد هو مجرد ورقة تفاوضية ستطرح في أوانها.

الكل، على جانبي الصراع، يروج لأن الهدنة إما سقطت وإما على طريق السقوط، ومن سيدفع الثمن هو الشعب السوري على الجانبين أيضا، من دمائه وماله ومستقبله. ويبدو أن الحظ السيئ وقع على حلب وأريافها لتكون مسرح الجولة المقبلة من القتال الذي ستستخدم فيه بلا شك الطائرات الروسية وكمية محدودة من الصواريخ الأميركية سواء ضد الدبابات أو الطائرات.

متى تقتنع أطراف القتال في سورية ورعاتها الدوليون بأن لا حل عسكريا للأزمة وأن التسوية السياسية هي الطريق الحتمي لإخراج سورية مما هي فيه، ويوفروا على الشعب السوري دماء وأموالا سيُهدر الكثير منها في هذه الجولة الجديدة من القتال... اليائس والعبثي؟

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي