تراكمت الدلالات في الأسابيع الأخيرة على أن العنف الذي بلغ ذروته في الشرق الأوسط، بدأ في أخذ منحنى نزولي، ما يعني اننا قد نكون أخيرا أمام فرصة للخروج من هذه الدوامة التي سمّوها «ربيعا عربيا».
من سورية إلى اليمن، حل الكلام عن الهدنة والمفاوضات محل أخبار القتال في الميادين، وسط جهد دولي هائل يؤكد أن العالم ما عاد مستعدا لتحمل المزيد من المشاكل التي ترده من هذه المنطقة على شكل إرهاب ولاجئين. ومن لبنان إلى تونس، يبدو القرار الدولي حاسما بعدم السماح بانزلاق دولة أخرى إلى أتون الفوضى. وفي العراق، أفلح التدخل الأميركي العسكري وغير العسكري المستجد، في تخفيف التوتر بين المكونات، وصار هدف الجميع هزيمة «داعش»، ولو بقيت خلافات كبيرة ومهمة، بينما في ليبيا يتقاطر العالم لإيجاد حل للأزمة يحرم «داعش» من ساحة انطلاق جديدة.
رغم أنه قد لا يبدو ممكنا حل كل المشاكل الآن ودفعة واحدة، فإن الهدنة الممنوعة من السقوط في سورية بقرار روسي - أميركي مدعوم عالمياً، ومقبول إقليمياً، ومحترم إجمالاً داخلياً، والتهدئة في اليمن، من شأنهما تخفيف الاحتقان، بما يجعل من الممكن البدء في إجراءات لبناء الثقة، إن لم يكن بين الأطراف المتقاتلة نفسها، فبين داعميها الإقليميين على الأقل، لا سيما وأن هذه التهدئة تتزامن على المسارين مع استئناف مفاوضات السلام.
هذا في الأجواء. أما في الترجمة العملية للجهود المواكبة، فيمكن تسجيل ثلاث محطات رئيسية مررنا أو سنمر بها، ستساهم في توضيح المسار المقبل للأحداث:
الأولى هي الانسحاب الجزئي الروسي من سورية، الذي أوضح للنظام أنه ليس بوسعه استثمار التمكين الروسي له وفق ما يريد، فموسكو هي التي تقرر كيف تستثمره على طاولة المفاوضات مع الأميركيين والأطراف الإقليمية، بالشكل الذي تستفيد منه، حتى لو كان ذلك يعني أنه سيتعين على الأسد الخروج من السلطة في مرحلة ما.
والثانية هي الرغبة الإيرانية في التهدئة التي نقلتها الكويت إلى دول الخليج. فرغم التحفظ السعودي الأولي المقرون بشكوك، فإن نجاح التهدئة في سورية واليمن من شأنه في حد ذاته أن يزيل بعضاً من أسباب الشكوك ويفتح الطريق لصفحة جديدة في العلاقات بين طهران ودول الخليج.
وإذ ليس من السهل تحليل ما تريده إيران انطلاقا من البحث في النوايا، فإن نظرة من زاوية المصالح تظهر أن ليس من المفيد لطهران ان توقع نفسها في عزلة داخل محيطها الإقليمي، وهي بالكاد خرجت من العزلة الدولية. والعلاقات الطيبة مع الجوار لها متطلبات، خصوصا في منطقة تعيش على الشكوك، بسبب التاريخ الطويل من الأزمات. والمتطلبات هذه يتعين على طهران أن تنظر إليها بعين الدول المتوجسة مما تراه تدخلات إيرانية في شؤونها، وتعالجها على هذا الأساس.
مخاوف الجوار زادت بعد الاتفاق النووي الذي رفع العقوبات عن إيران وأعاد إليها أموالا كانت مجمدة، وسط أحاديث عن أن أميركا، تحت إدارة أوباما على الأقل، تميل إلى تحسين العلاقات مع إيران، على حساب علاقاتها مع دول الخليج العربية، لا سيما السعودية.
هذا ما ستوضحه المحطة الثالثة وربما الأهم، والمتمثلة بزيارة أوباما إلى الرياض في الشهر المقبل واجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي. الجديد هو أن أوباما أضاف إلى جدول الأعمال المكون في الأساس من تعزيز التعاون الأمني مع دول الخليج للرد على أي تهديد إيراني لها، والحرب على «داعش»، بند «تخفيف التوتر الطائفي».
تحقيق هذا الهدف يستدعي من أوباما أن يحمل معه ما يطمئن دول الخليج إلى أمنها، علما أن إكثاره من الكلام في مراحل مختلفة من ولايتيه عن نيته الانسحاب من المنطقة والتوجه نحو آسيا، لا سيما بعد تحقيق بلاده الاكتفاء الذاتي نفطيا، إلى جانب عقد الاتفاق النووي مع إيران، كان من الأسباب الرئيسية لتأجيج هذه المخاوف. فهل سيطمئن أوباما هذه الدول، أم يتركها في انتظار من سيخلفه؟
التوتر بلغ حدا كبيرا لا يمكن معه استمرار الوضع كما هو عليه، فإما نتجه نحو تراجع لحدته على طريقة «اشتدي يا أزمة تنفرجي»، وإما سنكون لا سمح الله أمام انفجارات للعنف أكبر من الحاصلة حاليا.