تسديد فاتورة الدّين العام الأميركي

تصغير
تكبير
لقد أصبح اليوم موضوع انهيار أسعار النفط هو حديث الساعة لما يشكله ذلك الحدث من تهديد لاقتصاديات الدول التي تعتمد على إنتاج النفط كبديل رئيسي لدخلها القومي. وقد اختلف المحللون الاقتصاديون وتباينت آراؤهم حول أسباب هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي يشهده الاقتصاد العالمي، حيث عزا غالبية المحللين أن سبب ذلك قد يعود إلى الركود الاقتصادي، وانخفاض الطلب على السلع والمنتجات الأمر الذي أدى إلى ازدياد العرض عن الطلب وما زاد الطين بِلة هو دخول النفط الصخري الذي تنتجه الولايات المتحدة الأميركية ورفع الحظر عن صادرات النفط الإيرانية وما صاحب ذلك من عوامل نفسية زادت الضغط على أسعار النفط.

هذا هو الموضوع من حيث الشكل أما من حيث المضمون فإنه ومن وجهة نظري فهو ذو علاقة بالدِّين العام الأميركي، حيث تناولت بعض التقارير الصادرة عن وزارتي الخارجية والطاقة الأميركيتين والتي تم نشرها أخيراً بشأن انتاج النفط وأسعاره ومخزونه الاستراتيجي داعية ومؤكدة على استمرار قيام الولايات المتحدة الأميركية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لممارسة دورها بلا منازع كلاعب رئيسي لضمان تدفق النفط وإنتاجه وتصديره والتحكم بأسعاره لخدمة مصالحها القومية.


إن صُنّاع القرار بواشنطن يدركون تماماً أن معضلة الدين العام الأميركي هي التحدّي الرئيسي الذي تواجهه الولايات المتحدة الأميركية منذ نشأتها والمهدد الأكبر لأمنها القومي.

هذا الأمر يجعلنا نتساءل هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية الوفاء بالتزاماتها تجاه الدين العام أم أنها ستعلن في يوم أنها لن تتمكن من سداد ما عليها من التزامات مالية تجاه الآخرين، وأنها غير قادرة على التعامل مع تداعيات الدين العام الذي سجل رقماً قياسياً بلغ قرابة التسعة عشر ألف مليار دولار، مبلغ يعادل أكثر من خمسين ضعف إجمالي قيمة استثمارات الحكومة الكويتية.

إن مسألة ضبط الموازنة والوفاء بكامل التزامات الدين العام للولايات المتحدة الأميركية من الناحية المحاسبية والاقتصادية أمر يكاد أن يكون مستحيلاً، وأنه لا يوجد في الوقت الحالي بديل عن رفع السقف الأعلى للاقتراض والدين العام وطباعة مزيد من الدولارات. باعتبار أن مسألتي رفع الضرائب وخفض الإنفاق العام من محرمات السياسة الداخلية التي يتجنب المشرع أو متخذ القرار في واشنطن الخوض في غمارها.

أما عن مسألة إعلان الولايات المتحدة الأميركية وإشهارها لإفلاسها فإن هذا الشيء ممكن حدوثه من الناحية النظرية إلا أنه أمر مستبعد من الناحية الواقعية. إذاً فأي من البدائل المتوافرة والمتاحة لدى الحكومة الأميركية في الوقت الحالي للتعامل مع أزمة الدين العام الأميركي ؟

إذ يبدو أنه لم يتبقَّ لدى المشرع وصانع القرار في واشنطن سوى الدفع نحو تدهور أسعار النفط لتسجل أرقاماً قياسية تاريخية تهوي بها إلى الحضيض، وفي الوقت نفسه تعمل على خفض تكاليف إنتاج السلع والخدمات والمحافظة على أسعار بيعها وبالتالي إنعاش اقتصاديات الدول المصنعة على حساب «كارتل» دول الأقطار المصدرة للنفط التي ارتفعت مداخيلها بصورة خيالية خلال السنوات الماضية عندما حققت أسعار النفط مكاسب كبيرة على حساب الدول المصنعة.

ويبدو أن الإدارة الأميركية قد اتخذت سياسات استراتيجية بعيدة المدى من شأنها الإطاحة بأسعار النفط وفي الوقت ذاته المحافظة على مكتسباتها الاقتصادية، حيث إنها سمحت ودفعت في السابق بتحليق أسعار النفط إلى أرقام قياسية متجاوزة المئة والعشرين دولاراً للبرميل. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات والسلع والخدمات والعمل على زيادة أنماط الاستهلاك وتحقيق معدلات نمو شكلية زائفة لدى الدول المصدرة للنفط، وبعد ذلك اتجهت نحو عملية الخفض هذه بصورة سريعة لم تمكن الدول المصدرة من تخفيض إنتاجها للتعامل مع المستجدات التي هوت بأسعار النفط، لذا فإنه من المتوقع أن تشهد أسعار النفط مزيداً من التدهور بسبب تعذّر قيام أي من الدول المنتجة للنفط بخفض انتاجها خلال السنوات المقبلة.

إن دروس الماضي تؤكد على أن الحروب وتدهور أسعار الطاقة يشكلان منعطفين تاريخيين يخرج بهما العالم من حالة الكساد إلى الازدهار الاقتصادي.

لقد أصبح جلياً أن الولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت إجراءات عملية على أرض الواقع لترجمة سياساتها غير المعلنة تجاه من سيتحمّل نصيب الأسد من فاتورة الدين العام الأميركي.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي