أعلن وزير التجارة والصناعة يوسف العلي الشهر الماضي عن نية الدولة فرض ضرائب على الشركات قد تصل إلى نسبة 10 في المئة من صافي أرباحها، ضمن حزمة من الإجراءات التي تسعى الدولة لتطبيقها في مواجهة استمرار انخفاض أسعار النفط غير المسبوقة، والتي أعلنت عنها الحكومة، وستشمل كما يبدو أيضا رفع الدعم أو ترشيده لمنتجات الطاقة المختلفة والماء والكهرباء وتخفيض بند المصروفات في جميع جهات الدولة المختلفة، وربما أيضا المزيد من المقترحات التي قد تمس المواطن مباشرةً خلال الأيام القليلة المقبلة!
بدايةً، يبدو أن الحكومة وعت أخيراً من سباتها العميق، واكتشفت أن ميزانية الدولة تعتمد فقط على النفط وأنه هو المتحكّم الأوحد في اقتصاد البلد، حيث انه يشكل ولوحده أكثر من 97 في المئة من إجمالي إيرادات الدولة! وبالإشارة إلى هذه النسبة وحدها، لا نحتاج إلى أي تدليل أعمق على أهمية سعر برميل النفط في رسم وتحديد مستقبل البلد على مختلف الأصعدة.
حذّر ونصح وأشار وتعمّق البعض في تحليل مكامن الخلل في الميزانية العامة للدولة، وقدّم العديد من المختصين الدراسات والاستشارات الضرورية التي بُنيت على أساس قيام الدولة باستغلال الوفرة المالية خلال الأعوام الماضية في خلق بيئة اقتصادية تعتمد على التنوع في مصادر الدخل واستثمار الفوائض المالية بالصورة السليمة وتقليل المخاطر المتعلقة بتقلبات الأسواق العالمية المعتمدة على واردات النفط. أيضا شمل ذلك، دعوات إصلاحية قامت على ضرورة ترشيد النفقات والزيادات والعلاوات والكوادر بالإضافة إلى الهبات والمنح الخارجية وغيرها، ولكن لا حياة لمن تنادي.
عودة إلى أساس المقال المتعلق بفرض ضرائب على الشركات الكويتية، فكما هو معروف أن الشركات حاليا تقوم بدفع ضرائب بطريقة غير مباشرة من خلال استقطاع جزء من أرباحها لبرنامج دعم العمالة الوطنية ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي ونسبة إضافية تسدّد كزكاة للمال. ولكن ما هي الفائدة الحقيقية للاقتصاد الوطني من قيام هذه الشركات بسداد ضرائب إضافية؟ لا أدعو هنا إلى تمليص القطاع الخاص من المساهمة في سد عجز ميزانية الدولة، فرغم كل الأخطاء السابقة التي ارتكبت، إلا ان الجميع مسؤول للوقوف أمام هذه الأزمة التي قد تعصف بالبلد، ولكن كيف؟
أعتقد أنه من الأسلم تشجيع القطاع الخاص ليلعب دوره في تنمية اقتصاد البلد الهش، والمساهمة في رفع نسبته في إجمالي الناتج المحلي وتذليل العقبات التي تواجهه وحل مشكلة الروتين والبيروقراطية المتأصلة في أجهزة الدولة المختلفة كالبلدية والعدل ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للإطفاء ووزارة الكهرباء وغيرها من الجهات التي تتعامل معها الشركات.
ما أقترحه هو أن تقوم الدولة بتبنّي مشروع وطني يقوم على أساس تحسين الخدمات المقدمة للقطاع الخاص من الشركات وذلك في مختلف أجهزتها، وتعيين موظفين أكفاء في مختلف قطاعاتها يخضعون فيه لمبدأ الثواب والعقاب وحسن التقدير عند الإنجاز، ليتمكن القطاع الخاص من إنهاء كافة الإجراءات والمعاملات الحكومية بكل يسر وسلاسة ما يساهم في تشجيع القطاع الخاص على النمو وبالتالي خلق بيئة اقتصادية محلية قوية.
مقابل ذلك، يجب أن تقوم الدولة بفرض رسوم خدمات تعادل ما كان ممكنا أن تجنيه في حالة فرض ضرائب على هذه الشركات، فتكون بذلك ضربت عصفورين بحجر واحد؛ ساهمت في تحصيل المبلغ المطلوب من القطاع الخاص في مواجهة أزمة عجز ميزانية الدولة، وشجعت بالمقابل الشركات على أداء أعمالها وفقا لممارسات سلسة وسهلة في تعاملها مع الجهات الحكومية. والله من وراء القصد!
[email protected]