اللسان نعمة عظيمة من نعم الله العديدة التي خص بها الإنسان عن سائر المخلوقات، لا يفهمها أو يدركها إلا مَنْ تمعن جيداً وتدبر كثيراً فيها، فما بالك بمَنْ فقدها! فباللسان يعبر الإنسان عن شعوره وخواطره وأفكاره وهو أعظم وسيلة للاتصال بالآخرين، ولك أن تتصور عزيزي القارئ ماذا ستكون حالنا لو لم يكن لنا ألسنه نتحدث بها؟ وكيف يمكننا أن نتعايش من دونها؟!
يقول ابن القيم الجوزية (وجعل الله اللسان عضواً لحماً، لا عظم فيه ولا عصب، لتسهل حركته، ولا تجد في الأعضاء من لا يكترث بكثرة الحركة سواه، فإن أي عضو من الأعضاء إذا حرَّكته كما تحرك اللسان لم يطق ذلك، ولم يلبث أن يكل ويخلد إلى السكون إلا اللسان)، ويضيف: (اللسان من أعدل الأعضاء وألطفها، ومزاجه من أعدل أمزجة البدن).
وكما أن اللسان نعمة عظيمة، فقد يكون نقمة كذلك على كثيرين منا وهم لا يشعرون، فكل ما يخرج منا مسجل ومكتوب عنده سبحانه وتعالى، نُحاسب عليه كما نُحاسب على بقية أعمالنا يوم الدين امتثالا لقوله سبحانه وتعالى في سورة «ق»: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
إنه من المؤلم حقاً، أن الغالبية العظمى، ولا أبرئ نفسي منهم، قد تدخل في أحاديث تتكلم فيها عن سيرة هذا، أو عرض ذاك، أو حال جار، أو وضع صديق، دون أن تدرك أن ذلك قد يكونا سبباً عظيماً في معصية الله عز وجل وسخطه. ففي حديث معاذ المشهور، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أوصاه: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله، كفَّ هذا) وأشار الرسول إلى لسانه، فقال معاذ: (يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به)، فقال الرسول: (وهل يكب الناس في النار على وجهوههم إلا حصائد ألسنتهم).
ويروى أيضاً أن سليمان بن عبد الله الثقفي جاء إلى الرسول الكريم سائلاً: (يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟) فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: (هذا)، وفي صحيح أبي هريرة، فقد روى الحاكم وقال الذهبي إنه قيل لرسول الله إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة، فقال الرسول: (لا خير فيها، هي في النار).
ولنا في قصص الأولين عبر كثيرة عن هذه النعمة، التي بيدنا وحدنا قد نجعلها نقمة عظيمة. فقد روي أن رجلاً جاء لعمرو بن عبيد، فقال له: إن الأسواري مازال يذكرك في قصصه بشر. فرد عليه قائلا: يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حين أعلمتني ما أكره، ولكن أعلمه أن الموت يعمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين.
استذكرت كثيراً قول شيخ الإسلام ابن تيمية مستنكراً حال الكثيرين منا ونحن نسيء استخدام ألسنتنا، بقوله: (ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى ذلك الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يُلقي لها بالاً). ولا أجد ما أوصيك به عزيزي القارئ في خاتمة هذا المقال سوى قول الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تخاف لقاءه الشجعان
Email:
[email protected]